Sacd Fi Noloshiisa Khaaska ah
سعد في حياته الخاصة
Noocyada
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وبعد تسعة أيام سمحت لنا السلطة باللحاق بسعد باشا، فرقصنا للنبأ من شدة سرورنا وفرحنا، ولم ننم تلك الليلة البتة من عظم ابتهاجنا واغتباطنا، وكان كل منا يعتقد أن تلك الليلة أسعد ليالي حياته؛ لأنه سيجتمع عما قريب بالزعيم، وكنا نشعر أن العودة إلى مصر من دونه مصيبة عظيمة، كنا ندعو الله أن يقينا منها، وألا يعيدنا إلى مصر إلا بركاب سعد باشا؛ إذ كنا نحس أن في اللحاق به والعيش بالقرب منه السعادة، وأن في الرجوع إلى الوطن من غيره والعيش بعيدا عنه الشقاء، فأنقذنا الله من الشقاء بفضله ومنه تعالى.» •••
وقد كنا جالسين مرة مع أحد الوزراء السابقين، فدار الحديث على حنو قلب سعد باشا ورقة عواطفه، على الرغم مما كان يتجلى للناس من قوة شكيمته وشدة بأسه، فقص عليه معاليه أن الفقيد العظيم روى له مرة أنه لما تولى تأليف الوزارة الشعبية الأولى في سنة 1924، ذهب يوما لزيارة اللورد اللنبي المندوب السامي البريطاني في مصر إذ ذاك، فاستقبله فخامته في مكتبه بداره مرحبا بزيارته مبالغا في الاحتفاء به، قال سعد: «وكان باب المكتب ونافذته مفتوحين عند دخولي إليه، فتولد عن فتحهما تيار هوائي شديد لم يكن لي قبل بتحمله، فلم يخف ذلك على اللورد، وما لبث أن نهض فجأة وسار نحو النافذة أولا ثم نحو الباب وأغلقهما بنفسه، ولم يكتف بما صنعه، بل عاد إلي مسرعا ورجا مني أن أنهض قليلا، ففعلت وأنا لا أدري مرامه، فلم يكن منه إلا أن حمل بيديه الكرسي الذي كنت جالسا عليه ونقله إلى مكان منعزل في جانب من جوانب القاعة لا ينفذ إليه الهواء، فكان لمسلكه أعظم وقع في نفسي، حتى إنني كدت لا أصدق ما تراه عيناي؛ إذ هل كان يخطر لأحد أن ذلك الذي نفاني إلى سيشل، غير مبال بمرضي، يهتم الآن بصحتي كل هذا الاهتمام، ويتولى بنفسه نقل كرسي من مكان إلى آخر لئلا أصاب بلفحة برد قد تؤثر في حالتي؟ ... إنه سلك مسلكه الأول عملا بواجبه كمندوب سام، وسلك المسلك الثاني كرجل مدفوعا بدافع شعوره الإنساني، وأكبرت روح الرجل وشهامته ولعنت المصالح والظروف والأهواء السياسية التي تقضي على الرجال أحيانا بأن يظهروا بعكس ما تنطوي عليه حقيقة نفوسهم البشرية.» وهنا لاحظ الحاضرون أن دمعتين كبيرتين تتساقطان من عيني سعد الصافيتين.
وكنا موجودين في أحد أيام شهر أبريل سنة 1927 في مكتب الفقيد العظيم ببيت الأمة، وكان بين الحاضرين المغفور له رشدي باشا ومعالي أحمد خشبة باشا، وكان رشدي يزور بيت الأمة في ذلك اليوم لأول مرة بعد شفائه من مرض ألزمه الفراش بضعة أسابيع، فأخبرنا أنه لما قابل سعد باشا في حجرته بالطابق العلوي قبل اجتماعه بنا بنصف ساعة، قال رحمه الله: «لقد أخبروني يا رشدي باشا أنك نهضت من فراشك وأنت مريض وخاطبت بيت الأمة بالتلفون سائلا عن صحتي، فأنا أشكرك على حسن عنايتك ورقيق شعورك.» فرد عليه رشدي باشا بقوله: «ثق يا سعد باشا أنه لو كنت أنت في الإسكندرية وكنت أنا في القاهرة، وبلغني أنك مريض، ولم يكن بين المدينتين مواصلات حديدية ولا غيرها؛ لكنت أذهب إلى الإسكندرية مشيا لأستفسر عن صحتك وأطمئن على حالك؛ لأن الصداقة التي بيننا صداقة أبدية مهما اعتراها في بعض الأحيان من فتور.»
سعد في وسط الجماهير .
قال لنا رشدي باشا: «وهنا نظرت إلى سعد باشا فرأيت عينيه تترقرقان بالدموع، فدنوت منه لأمازحه وقلت له باسما: «ولكن لا تنس أنك تلميذي».» وكان دولته يشير بذلك إلى الدروس القانونية التي أخذها سعد باشا عنه لما بدأ يتعلم الحقوق باللغة الفرنسية، فافتر الفقيد العظيم باسما وسرى عنه. •••
ولما انتقل المغفور له عبد الخالق ثروت باشا إلى جوار ربه في الصيف الماضي، اهتممنا بمعرفة ما دار بينه وبين سعد باشا لما زاره لأول مرة في بيت الأمة في بدء عهد الائتلاف بعد الخلاف الكبير الذي قام بينهما، فلم يكن لنا مرجع نستقي منه هذه المعلومات خيرا من معالي فتح الله بركات باشا، الذي كان في مقدمة من سعى للائتلاف وعمل له، فسألناه عما كان من أمر سعد باشا لما دخل عليه ثروت باشا في تلك المقابلة الأولى فأجابنا: «لم ينبس ببنت شفة؛ لأن عبراته كانت أسبق من لسانه، فخنقت عباراته، فنهض وعانق ثروت باشا طويلا.»
وقد حدث مرتين أن تغلبت الدموع على المغفور له سعد باشا أمام جموع حافلة من الناس؛ أما المرة الأولى فكانت يوم الاحتفال بتأبين شقيقه المرحوم أحمد فتحي زغلول باشا؛ فإنه لما نهض ليشكر المعزين والشعراء والخطباء على مؤاساتهم، حبست الدموع كلمات الشكر التي كان يريد ارتجالها في ذلك المقام، فاكتفى بأن قال: «سادتي، عسى أن يكون في دموعي هذه أعظم شكر لحضراتكم»، وصمت فكان بليغا في صمته كما كان بليغا في استرساله؛ أما المرة الثانية فكانت في أثناء الحركة الوطنية حين مرت جنازة إحدى ضحايا الحرية أمام بيت الأمة، فخف (رحمه الله) إلى السير في طليعة المشيعين وقد بللت دموعه وجهه الوضاح.
سعد في آخر أيامه
Bog aan la aqoon