Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
71

Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta

ساعات بين الكتب

Noocyada

ف وأربى عليه في ألوانه

صبغة الله أين منها رفائي

ل ومنقاشه وسحر بنانه

هذه أبيات نظمها شوقي لاستقبال المحتفلين به، فهي حمادى ما احتفى به من شعره وتأنق فيه من معجزاته، وهي عصاه التي يرسلها على السحرة المنكرين والكفرة الجاحدين! وهي آيته في الربيع ومثاله الذي يسوقه للناس ليقول لهم إنه يحسن الوصف، ولا يقصر وحيه على المديح والتقليد! فإن لم يكن شك في هذا فلندع من الأبيات ما يرادف نداء الباعة في الأسواق «بالورد الجميل، والفل العجب، والتمر حنا، روائح الجنة» ولننظر ما بقي فيها من دلائل الإحساس بالربيع، والامتزاج بالطبيعة، والشغف بالجمال والحياة في موسم الجمال والحياة!

كل ما يبقى بعد ذلك أن الربيع يمشي في السهل مشي الأمير في البستان، وأن صبغة الله أجمل من صبغة رفائيل!

فأما أن الربيع يمشي في السهل مشي الأمير في البستان، فيصح أن تكون كلمة موظف في شارة الوظيفة لا كلمة «إنسان» في نشوة السرور بجمال الحياة، وسكرة الفرح بالأشواق والآمال والذكريات والأشجان، وهي لا شيء من حقيقة ولا من تمويه، ولا شيء من زينة صحيحة ولا من زينة مزيفة، ولا شيء من عيان بالنظر أو تصور بالخيال، فمشية الأمير في بستانه كمشية كل إنسان في كل بستان، والأمير لا يكون على أجمل حالاته هناك؛ لأنه قد يمشي في مباذله التي لا تميزه عن سائر الناس، ولو شبه شوقي الأمير بالربيع في مواكبه لقلنا روح عامية لا تمثل الروح الإنسانية، ولكن لعله أراد الحلل وألوانها، والمواكب وروعتها، والمزامير وألحانها، ففي هذه وتلك موضع للتشبيه ومساغ لذكر الإمارة! إلا أن شوقيا لم يقل هذا، وإنما قال لنا: إن الربيع في السهل كالأمير في البستان، والربيع بعد هو البستان، فهلا قال شوقي: إن الربيع يمشي في الربيع مشية الأمير في الأمير؟ والأمير أيضا قد يكون شيخا فانيا لا حسن فيه ولا عاطفة، وقد يكون فتى دميما لا بهجة له ولا وسامة، وقد يكون أميرا كأمير الشعراء لا حس فيه ولا عبقرية، ولا أشعار له ولا ألحان، فماذا من إحساس الإنسان - فضلا عن الإنسان الشاعر - في ذلك التشبيه الذي جعل لنا «الربيع» ملحقا بالميزانية والتشريفات والدواوين؟!

وأما أن صبغة الله خير من صبغة رفائيل فكلمة لا دليل فيها على إحساس بالطبيعة، ولا إحساس بالفنون، كلمة فيها من الغباء ما يكشف عن عامية مطبقة، وجهل بعيد القرار، فالعامة المسفون هم الذين يفهمون أن طلاوات الصور أجمل من صبغة الطبيعة، ويحتاجون إلى من يقول لهم: إن تلوين الله أجمل من تلوين رفائيل. أما النفس التي تذوق جمال الطبيعة وتذوق جمال الفن، فليست تحتاج إلى من يقول لها كيف أن الأصباغ في الرياض أجمل من الأصباغ في الطروس، وليست تفهم أن الفن بهرجة ألوان تغالب ألوان الأزهار والأنوار، وإنما نفهم أنه محاكاة مقصودة لتلك الألوان تعترف بالتقصير، وتستغني عن التعجيز، وما معنى أن يريك المصور صورة إنسان فتقول له متعالما متباصرا: «ولكن أين الصورة من الإنسان!» ثم أي معنى عميق أو قريب لأن نقول للناس: إن صبغة الله أجمل من صبغة رفائيل، إلا أن تكون ممن يفهمون فهم العامة للطبيعة والفنون؟ ثم هل كان رفائيل - بعد كل هذا - مصورا مفتنا في تصوير الرياض والأزهار؟ لا. بل كان الرجل مصور وجوه وشخوص مقدسة ، برع فيها براعته ولم يضرب به المثل قط في تصوير الرياض والأزهار، فلا حس هنا بالطبيعة، ولا ذوق للفن، ولا علم بالتاريخ! فإن كانت ثمة «أمارة كذابة» في الدنيا فهي إمارة هذا الذي لا يكفيه أن يعد شاعرا حتى يعد أمير شعراء، وحتى يقال: إنه عنوان لأسمى ما تسمو إليه النفس المصرية من الشعور بالحياة.

ألا ليت ناظمنا قد سلمت له شاعرية الحس في هذه الأبيات، فيكون له بها بعض الغنى عن شاعرية النفس والروح! ولكنه هو وأمثاله كالعامة في الإسفاف عن مقام تلك الشاعرية الكريمة، وشر من العامة في الزغل الكاذب الذي يدخلونه على الشعور الجسدي والحس القريب.

الشعر في مصر (3)1

لم لا نرى بين الشعراء المصريين تلك النظرة الواسعة إلى الكون، وذلك الإحساس الشامل بما فيه من مظاهر الجمال وأسرار الحياة؟ ولم لا نرى بينهم تلك النماذج الحية من صور الشعور والتفكير ووسائل التمثيل والتعبير التي نراها في آداب الأمم الشاعرة من الغربيين! لم لا نرى فيهم أمثال وردزورث الزاهد المتقشف المغرم بالطبيعة، وكولردج الصوفي المتفلسف الصبور، وبيرون الساخط الشهوان، وشلي المغرد الطموح، وهيني الساخر الصارم والحزين الضاحك، وشلر المتنطس العزوف، وجيتي الرصين المترفع، ودانتي الجاحم المتفزز، وليوباردي الوادع المهموم! ولم لا نرى فيهم هذا المفتون بالبحر، وذلك الموكل بمنطق الطير، وذلك المشعول بالسماء، وأولئك الذين يجيدون وصف السرائر، أو يجيدون وصف المناظر الإنسانية، أو المناظر الطبيعية، أو مشاهد القرون الوسطى، أو الذين لكل منهم علامة وعنوان ولكل منهم شاعرية مميزة تعرفها، وتعرف سواها فتعجب لسعة الحياة وارتفاع آفاقها، وعمق أغوارها وتعجب لما في «النفس» من شعب لا نهاية لها، وغرائب لا يحدها الوصف ولا يعتريها النقاد؟

Bog aan la aqoon