Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
68

Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta

ساعات بين الكتب

Noocyada

2

غير مصقول، وأدب مصقول غير مطبوع، وهذه هي آفة الشعر المطبقة في هذه الديار، فلا هو شعر مصري ولا هو شعر أجنبي، وليس هو على كل حال بالمقياس الصحيح الذي تقاس به شاعرية الأمة، وتوقانها إلى الفنون وضروب التعبير.

أما الجهل الذي يعاب على بعض المتعلمين عندنا، حين ينقدون الشعر ويخطئون في الاختيار ويضلون عن أحسن المحاسن وأقبح العيوب، فسببه فيما أرى أننا تعلمنا الفرنسية وقرأنا آدابها قبل أن نتعلم الإنجليزية واللغات الأخرى، فشاعت بيننا مقاييس الأدب الفرنسي الدارجة وهي الطلاوة السطحية واللباقة العابثة، ومشينا معه في عيوبه ومحاسنه وهي شبيهة بعيوبنا ومحاسننا، فلم نفطن إلى فارق بين الصحيح والزيف، وبين الصدق والتمويه، ولم نخرج مما نحن فيه إلى مذهب غيره، وخفيت علينا مقاييس الجد والاستقامة و«البساطة»، التي امتاز بها الشعر الإنجليزي والشعر الألماني، فما برحنا أطفالا لاعبين في آدابنا، وما فهمنا من الشعر إلا أنه أناقة كلامية، وفقاقيع خيالية، وتزجية فراغ، يخالطها بعض الشعور الذي لا فرق فيه بين كاذب وصحيح، وأنت لو نقبت في دواوين شعراء الإنجليز قاطبة عن تزويق كتزويق فيكتور هوجو، وجلجلة كتلك الجلجلة التي اشتهر بها هذا الإمام الفرنسي العظيم، لما وجدت شيئا من ذلك في أواسط شعراء القوم فضلا عن أفذاذهم المبرزين، فلن يعظم شاعر في أدب الإنجليز بمثل تلك الخلابة التي عظم بها هوجو في أدب الفرنسيين، ولن ينفعنا الأدب الذي تتمثل أعظم عيوبه وأعظم محاسنه في هذا المثل الأعلى المضلل الخداع، وأي مثل؟ هو المثل الذي لا يختلف عن صغار شعرائنا في المعدن والقيمة، وإنما ينحصر اختلافه عنهم في الجرم والمساحة!

أما انصراف شعرائنا عن الشعر بعد الثلاثين والأربعين، فربما كانت علته تكاليف البيت والمعاش، وخلو الشباب من هذه التكاليف، وقصور المكاسب الأدبية عن تزويد الشاعر بما يكفيه طلب الرزق وتدبير أمر المعاش، والذين استراحوا بيننا من هذا العبء لم ينصرفوا عن النظم ولم ينقطعوا عن الأدب الذي استطاعوه، ويغلب عندي أن يكون للجو أثر في هذه الملالة ولاحتجاب المرأة أثر مثله، وللعزلة بين الجماهير والشعب المهذب أثر آخر غير قليل.

فالدلائل التي مرت بك في صدر هذا المقال لا تقضي على الشاعرية المصرية، ما دامت في ريف مصر تلك السليقة التي تترنم بتلك الأغاني الشعبية. غير أننا لا ننسى أن الشاعرية الحسية شيء والشاعرية النفسية شيء سواه، وأن أغاني الشعب عندنا دليل على شاعرية الحس يعوزه دليل كبير على شاعرية النفس والروح، فهل يتم هذا النقص بتمام التعليم والتوافق بين الآداب الشعبية وآداب الدارسين والعارفين!

ربما، وسنعود إلى تفصيل ذلك فيما يلي من المقالات.

الشعر في مصر (2)1

أشرنا في المقال السابق إلى الفرق بين شعر الحس وشعر الروح، وقلنا: إن الأغاني الشعبية عندنا يعظم نصيبها من المعاني الحسية، ويقل نصيبها جدا من المعاني الروحية، وتساءلنا: هل نسمع من العبقرية المصرية نغمة جديدة في الشعر إذا اتصلت حياة الشعب بالحياة المهذبة، واتسع الأفق أمام هذه العبقرية فلم يبق محبوسا في مجال تلك الخواطر التي تطرق نفوس العامة وتردد في الأسواق! ولم نقطع برأي في الجواب؛ لأن الماضي لا يخبرنا في هذا النحو بخبر اليقين، والحاضر رهين بما بعده، وهو لما يزل مجهول المصير.

والواقع أن الشعوب كلها حسية في أغانيها على درجات تتقارب جد التقارب بين شعوب الشرق وشعوب الغرب، والشعوب الجاهلة والشعوب التي انتشر فيها التعليم، فكلها تنظم أغانيها في المعاني التي يلم بها الحس القريب من غزل أو منادمة، أو فخر أو صفة للأزهار والبساتين، ويندر في أغاني شعب أن نجد تلك السبحات العالية، والمعاني الرفيعة، التي تسمو إليها عبقريات الملهمين من كبار الشعراء. غير أننا قد نرى شعوبا تصف المرأة في غزلها جسدا يوزن ويقاس، وشعوبا أخرى تصفها جمالا جسديا تحن إليه النفس ويلطف فيه الحنين؛ فليست كل الشعوب تعنى في الأغاني بتفصيل محاسن الأعضاء من الفرع إلى القدم، ومن العيون إلى الآناف إلى الأفواه إلى الأجياد إلى الصدور إلى البطون إلى الأرداف إلى السيقان، وليست كل الشعوب تصف كل عضو من هذه الأعضاء وصفا يكاد يكون مقررا على لسان كل ناظم وفي خاطر كل مشتاق، وليست كل الشعوب تلتفت إلى هذه الصفات وتشدو بها في الغناء، وإن كانت قد تحبها في المرأة، ويعجب بها «الفرد على انفراد».

لأن أشياء كثيرة تخطر في نفس الفرد ولا يتغنى بها، ولا يهتف بها في الملأ، فإذا بلغ الخاطر إلى حد الغناء، فتلك إذن روح الشعب التي تتكلم وتتغنى، وليست بأهواء كل «فرد على انفراد»، ما من رجل إلا ينظر في بعض نظراته بعين الحيوان أو بعين الغريزة الحيوانية، ولكنه إذا تغنى فهناك نفس غير نفس الحيوان تتكلم، وتبوح وهي نفس الإنسان في بيئة لها ما لها من الأوضاع والمشارب والعادات والآداب، ومن هنا يأتي الخلاف بين المعاني الحسية في أغاني الشعوب. «فالحسية» التي تلاحظ على الأغاني الشعبية بمصر، ليست في جملتها وقفا عليها، ولا هي ببدع في الشعوب كافة، والغلو في وصف الأعضاء لم يكن دأب المصريين القدماء، وليس هو بالملحوظ في الأغاني الحديقة على كثرة، كالتي عرفناها في بقايا الأجيال الأخيرة، وتلك علامة حسنة تدل على أن الروح المصري الأصيل بريء من إغراق الحيوانية، قابل للتهذيب والتثقيف في هذه الأهواء، وهذا باب أمل لمن يرجون شعرا مصريا تغلب فيه نزعات الروح على نزعات الحس المحدود.

Bog aan la aqoon