Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta
ساعات بين الكتب
Noocyada
مثل هذا القائد «المتمدن» في حاجة إلى سياحة يابانية، أو إلى مسرح من تلك المسارح التي لا حيلة له فيها إلا أن يجلس القرفصاء على كراسي كمزالق الجليد. فقد تصلح هذه السياحات لعلاج الذين أصيبوا في عقولهم بعمى العرف، فلا يتصورون الدنيا إلا على صورة واحدة، ولا يحكمون على الناس إلا بما ألفوه، فإن الإنسان إذا عرف أن الجلوس على الأرض في معاهد التمثيل لا يمنع الأمة أن تعد بين دول العالم القوية لم تحبسه العادة في سجنها الضيق المسدود، ولم يجعل عرفه شرطا من شروط الآدمية التي لا يخالفها الإنسان، وله نصيب في الاحترام.
أغرب من هذا في بلاد الشمس المشرقة هذه القصة التالية:
قال الأستاذ ستير يصف فندقا في بعض حواضر اليابان : «سألنا عن الحمام فوجدناه على أكمل اتساع لا مثيل له فيما رأيناه، ولم يكن معدا لفرد واجد بل لخمسة عشر أو لعشرين ولكلا الجنسين معا من رجال ونساء، ولما ألقينا نظرة فيه ألفيناه غاصا بالمستحمين والمستحمات حتى لا مزيد، ولا يخطرن بالبال أن هذا الاختلاط دليل على سوء خلق عند القوم، فإن الياباني لا ينظر إلى اختلاط النساء والرجال في الحمام، إلا كما ننظر نحن إلى اجتماع النساء والرجال على مائدة واحدة، فهم لا يتلفتون إلى حالة العري هذه أقل التفات.»
مدهش هذا، أليس كذلك؟ نعم! ولكننا نعود فنقول إن العادة تهون كل شيء حتى اختلاط الرجال والنساء في الحمام عارين وعاريات، فعلى شاطئ البحر لا تلفتك المرأة التي تلبس قميص الحمام وهي لو سارت بهذا الزي في الطريق لاجتمع عليها زحام، أي زحام، ومن الحق أن نقول إن بعض العري أستر وأدنى إلى الحشمة من بعض اللباس، فالطفل العاري لا ينتهك الحياء بعريه ولا يزال مألوفا حتى في بلاد الحجاب، ولكن أي حياء لا تنهكه المرأة الماجنة بتلك الثياب التي تدل الناظر وتغريه، وتلك الحركة التي تفهمها المرأة حين تتحرك ويفهمها الناظر حين ينظر، ويفهمها الخائط حين يصنع الثوب على ذلك الطراز، ولا يتغابى عن فهمها إلا مراء أو حمار، وكثيرا ما كان المنع من دواعي الإغراء، ولا سيما في العلاقات بين الجنسين، فهل جاءك أيها القارئ نبأ الكتاب الذي حجزت عليه الحكومة حديثا في بلاد الإنجليز؟ إنها لم تحظر بيعه وطبعه حتى بلغ ثمنه خمسة أضعاف أضعافه، وبودر إلى طبعه في باريس باللغة الإنجليزية، وليس فيه مع هذا شيء مما لم تطرقه كتب الطب والمباحث النفسية بأوفى بيان وتفصيل، إلا أنه وضع ذلك في قالب الرواية، ولم يقصره على الدرس العلمي الذي يعنى به الباحثون والمتعلمون، فلا كل المنع منعا، ولا كل السماح ابتذالا، وليس العري في اليابان إذن لازمة من لوازم الإباحة، ولا الثياب على إطلاقها هي قوام العصمة والصيانة، ووجه العبرة من كل ذلك أن الأدب يناط بالطبائع والأفكار، ولا يناط بالثياب والأزياء، وستكمل دهشتك أيها القارئ إذا علمت بعد هذا أن المراقص العامة في بعض جهات اليابان يكتب عليها هذا التنبيه: «الرقص خدا لخد ممنوع، وغير مسموح بالاختلاج والاهتزاز.» وعلمت أيضا أن نساءهم قلما يلبسن إلا الفضفاض من اللباس! فهم يعرفون الخجل والحياء، ونحن لا نعرفهما حين نسمح للمرأة بتلك الأزياء التي لا فرق فيها بين المصونة والهلوك. •••
وبعد، فهل يعلم القارئ من المسئول عن الحرب العظمى، ستقول الساسة من الحلفاء أو من الجرمان، وستقول أصحاب الأموال أو رجال الحروب، فقل ما بدا لك واعلم أنك على خطأ إذا كانت «بافلوفا» على صواب، فهي صاحبة اليد الأولى في هذه النكبة العالمية إذا صدقت الخرافة، ومن كان في ريب من هذا فيقرأ ما يلي ولا لوم على الراوي إذا ازداد به الريب بعد القراءة.
كانت بافلوفا في برلين، وكانت ترقص في دار الأوبرا الإمبراطورية والنظارة كلهم من العلية والنابهين وذوي الأخطار، وكانت آداب تلك الدار تأبى الهتاف في حضرة الإمبراطور، بالغا ما بلغ إحساس النظارة من الطرب والاستحسان، ولكن الإمبراطور كان أول المخالفين لنظام تشريفاته وأول من صاح في تلك السكينة الشاملة بصوت مسموع في جميع جوانب الدار «بديع بديع!» فما هو إلا أن قالها حتى ارتج ذلك الرفيق الأعلى بالتصفيق والتصدية، وتسابق الأمراء والكبراء في الصياح والتهليل. ثم ذهب الأمين الأول إلى «بافلوفا» يدعوها إلى المقصورة الملكية، فلقيت كل حفاوة، وقبلت يد الإمبراطورة وعادت إلى حجرتها، ولكن على غير ما تنتظر وينتظر الصحاب والزملاء، وعادت كئيبة واجمة وكان المنتظر أن تعود راضية محبورة بعد هذه التحية التي تلقاها بها عاهل الألمان ورجال دولته الفخام.
ولم الكآبة؟ ولم الوجوم؟
لأن أثرا من شفتيها المصبوغتين قد علق بقفاز الإمبراطورة الناصع حين قبلت يدها، وفي ذلك نذير الشؤم وسفك الدماء في أساطير البروسيين، أو في أساطير البروسيات، وما انقضى على تلك الليلة ثلاثة أشهر أو دون الثلاثة الأشهر حتى نشبت الحرب العظمى وجنتها على الدنيا تانك الشفتان المصبوغتان ، لا شفاه العواهل والقياصرة من جانب الحلفاء، أو من جانب الجرمان.
فلينصف الجاهلون! وليصحح التاريخ! •••
ومن الخرافة إلى الشعوذة لا تطول مسافة الطريق، ولا سيما إذا كانت النقلة من بلاط إلى بلاط، ومن بلاط برلين إلى بلاط لندن!
Bog aan la aqoon