254

Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta

ساعات بين الكتب

Noocyada

بين العقاد وطه حسين: مناقشة1

سآخذ على عهدتي في هذا المقال أن أسند إلى الدكتور طه حسين رأيا لم أقرأه له، ولم أستأذنه في إسناده إليه، وإنما أقول: إنه هو رأيه لأنني لا أعرف كيف يكون له رأي آخر في الترجمة وعلاقتها بالتغالب بين الشعوب.

سأزعم أن الدكتور طه حسين يقول: إنه حيثما تغالبت أمتان أخذت كلتاهما من الأخرى ما يمكن أخذه من حضارة وعلم وثقافة، وإن رغبة المعرفة المركبة في الفطرة تحتاج إلى تحريض من التنافس، فتنشط بعد كسل، أو تتوجه إلى وجهتها بعد حيرة وشتات.

نعم إن الدكتور لم يقل شيئا من ذلك، ونعم إنه ينكره فضلا عن أنه يقوله، ونعم إنه يناقشني فيه حين قررته في مقالي الأول، ثم في مقالي الثاني، ولكني مع هذا أسنده إليه وأكرر إسناده لأنني لم أجد له منصرفا عنه، ولا حجة لإنكاره، وليس الإنكار وحده كافيا إذا كان كل ما يقوله الأستاذ الفاضل منتهيا إلى تقرير ما كتبته وناقشني فيه، فالدكتور يأبى أن يقول إن تبادل المعرفة يأتي من التغالب والتنافس، ونحن نزعم أنه يقوله وأنه لم ينفه، وأنه إذا اعترض عليه حينا فليس في اعتراضه ما ينفيه! وسنرى أن الدكتور كيف يقول ما أسندناه إليه، أو لا يرى بدا من قوله، وإن أحاطه بشيء من التشكك والسؤال.

سنرى ذلك لأن الأمثلة التي يوردها الدكتور تأتي إلينا في النهاية ولا تبقى عنده ولا ترجع إليه، فمن ذلك أنه يقول عن العلاقة بين الرومان واليونان: وشر آخر من المسألة أعرض عنه الأستاذ العقاد الإعراض كله، وكان من حقه أن يقف عنده بعض الشيء، وهو نقل الرومان عن اليونان، فقد نقل الرومان عن اليونان كل شيء ولم ينقل اليونان عن الرومان شيئا، وكان الرومان غالبين وكان اليونان عبيدا لهم، فما زالت المسألة محتاجة إلى التعليل والتفسير، والرأي عندي أنها لا تعلل إلا بحاجة الإنسان الاجتماعية والعقلية، فهو يترجم لأنه حيوان اجتماعي كما قال أرسططاليس في السياسة، ويترجم لأنه حيوان ناطق كما قال أرسططاليس في المنطق، ويعظم حظه من الترجمة أو يضعف، باعتبار الظروف المختلفة التي تحيط بحاجته الاجتماعية والعقلية فتقويها أو تضعفها.

فالحاجة الاجتماعية والعقلية لم تغن في رأي الدكتور عن الرجوع إلى الظروف التي منها - بل من أقواها - ظروف التنافس والتغالب بين الشعوب.

أما لماذا أخذ الرومان عن اليونان، ولم يأخذ اليونان عن الرومان، فنحسب أن تعليله يسير، وهو أن التبادل بينهما في بداية الأمر على الأقل كان غير مستطاع.

فالرومان وجدوا فلسفة وأدبا مستفيضا عند اليونان، فأخذوا ما وجدوه ولم يأخذوه إلا بعد أن نشبت بينهما نواشب التغالب والاحتكاك.

واليونان لم يجدوا عند الرومان إلا فنونهم التي امتازوا بها، وهي فنون الحرب والنظام والقوانين، وليست هذه الفنون من شأن الأمم المغلوبة؛ لأن مسألة الحكومة والجيش تظل في أيدي الغالبين لا ينزلون عنها لتلك الأمم مختارين. على أن اليونان أخذوا من الرومان ترفهم وحضارتهم، ثم أخذوا منهم بعد ذلك نظامهم وقوانينهم، حين أصبح لهم نوع من الاستقلال في الدولة البيزنطية، أو حين أصبحت بيزنطة دولة اسمها للرومان وحقيقتها لليونان.

وعلى ذكر بيزنطة نقول إننا - كما قال الدكتور - لن نخالفه «في أن البيزنطيين كانوا على حظ عظيم جدا من الابتكار في الناحية الفنية، حتى أصبح لهم فن خاص يمتاز أشد الامتياز من الفن اليوناني القديم.»

Bog aan la aqoon