Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta
ساعات بين الكتب
Noocyada
وإن في كتب التاريخ لسوءات لهم غير هذه، وآثاما جساما لا يقال فيها إنها تخرص شاعر مغبون، أو افتراء خصم متهم الأقاويل، فإن كان الصدق عذرا للثالب الصادق، فعذر ابن الرومي في التشهير والتجريح أوجه من عذره في الإطراء والمديح، ولو كان الرجل أكثر شرا لكان الناس أكثر اتقاء له واجتنابا لكيده، فقلت حاجته إلى سوء المقال، وأعفى أعراضهم وأعفى لسانه فأراح واستراح.
صور وأخلاق1
مفاخر الأجناس هل الأوربيون أفضل بني الإنسان؟
الفخر بالأجناس قديم لم تخل منه أمة ولا قبيلة، فما من جيل من الناس إلا وله فضائل يدعيها ومناسب يرتفع بها أحيانا إلى آلهة السماء، وأحيانا إلى أعاظم القديسين، فضلا عن المناقب والصفات التي لا شريك له فيها من أجيال الأرض أجمعين، ولا غرابة في هذه الدعاوى إذا سوغتها ظواهر الأمة، وساندتها القوة والثروة والكلمة الغالبة، ولكن الغريب أن تشيع هذه الدعاوى بين أمم لا قوة لها ولا مال ولا غلبة، وأنها ربما كانت في هذه الأمم أكبر مزعما وأشد غرورا مما تكون في غيرها! كأنما هي عوض عما فقدته الأمة من دواعي الفخر الصحيح وعزاء عم تصبو إليه من العزة والكرامة، وهي على كل حال أنانية قومية تجري على وتيرة الأنانية الفردية في الظهور أو الضمور، فكل إنسان في نفسه سلطان كما يقول العامة وكل أمة سلطان في نفسها كذلك!
كان المصريون يرون أن المصري هو الإنسان الكامل ثم تتوالى الدرجات بعده إلى السادسة وهي درجة اليوناني عندهم في تاريخه القديم، وكان اليوناني يحمد الله على أن خلقه من ذلك الجنس ولم يخلقه من البرابرة، وكان البرابرة ينظرون إلى الرومان واليونان نظرة اشمئزاز واستهانة؛ لأنهم قوم مؤنثون مترفهون، وكان العرب هم صفوة الخلق كافة وكل من عداهم أعاجم غلف لا يفقهون الحديث، وكانت كل قبيلة من قبائل العرب لها من الفضل على سائر القبائل العربية مثل ما للعرب جميعا من الفضل على الأمم الأعجمية، ثم جاءت العصور الأخيرة فإذا كل أمة من أمم الحضارة الحديثة تزعم زعمها وتفتخر على الأمم الأخريات فخرها: الإنجليز سادة الأرض، والفرنسيون معدن الحضارة، والطليان يرثون دعوى اللاتين الأقدمين، ويرجمون أمم الشمال بتهمة البربرية والهمجية، والروس يقولون إنهم هم الشعب الذي اختاره الله ليجدد الحضارة الأوربية، ويحيي موات هذا العالم الذي تهالك من الجهد والإعياء، والتوتون هم ملح الأرض لا عظيم في الدنيا إلا وهو من سلالتهم، ولا حكيم ولا شاعر ولا مصور ينبغ في المغرب أو المشرق إلا وفيه عرق من عروقهم ونفحة من دمائهم، وغالى بهذا الوسواس فيهم رجلان من العجيب أنهما أجنبيان عن وطن الجرمان في هذا الزمان: أحدهما «جوبينو» الفرنسي والآخر «شمبرلين» الإنجليزي! وباعث الأول على تمجيد التوتون أنه كان من أشراف فرنسا فأراد أن ينقض مبادئ الثورة الفرنسية، وينكر حقوق الشعب فادعى أن السواد والعلية في فرنسا من عنصرين مختلفين، وأن السيادة للأشراف إنما جاءتهم بحق الإرث؛ لأنهم ذرية التوتون الذين سادوا البلاد قديما بما رزقوه من مزايا القدرة والشجاعة والعقل الراجح والخلق المكين، وباعث الثاني أنه انتمى إلى البلاد الألمانية، فأراد أن يرتقي إلى الجرثومة الأولى التي يجتمع لديها الألمان والإنجليز وأن يرجع إلى الأصل الذي يستوي فيه الألماني العريق والألماني الدخيل!
وأصبح الفخر بالأجناس علما!
نعم أصبح الفخر القديم الذي نشأ مع الخرافات القديمة علما جديدا له حرمة العلوم التي عليك وعلي وعلينا أن نقر بها مؤمنين، ولكن العلم الجديد لم يكن إلا صبغة حديثة لتلك الخرافة العتيقة، ولم تكن له من نتيجة إلا تلك التي كان الأوربيون يزعمونها قبل أن يكون لهم علم وقبل أن تكون للأجناس دراسة، وهي أنهم هم خير من في الوجود، وأن الحاكمين منهم اليوم هم أصلح الناس للحكم وهم أصلح الناس للدوام فيه! وأما الأمم الأخرى فلا نصيب لها إلا نصيب التبع الذي لن يجوز له أن يطمع في المساواة الآن ولا في أي زمن من الأزمان. هكذا قال العلم الحديث والعلم الحديث صادق شريف، فسواء قسمنا الأمم إلى آرية وسامية أو إلى شمالية وجنوبية أو إلى بيضاء وذات ألوان فالنتيجة واحدة في جميع هذه التقسيمات وهي أن الأوربيين هم أفضل من غبر وحضر، وأنهم هم السادة الأعلون الذين بينهم وبين المسودين الأدنين حاجز لا يعبر، وتفاوت لا تدارك له ما بقيت الأرض أرضا والسماء سماء.
لكن ما قول العلم الحديث إذا قال له قائل - باسم العلم الحديث - إنك أخطأت يا هذا؟ وإنك لم تعد أن تكرر لنا الخرافة البالية في ثوب جديد؟ أتظن أن العلم الحديث يغضب؟ وإذا غضب أتظن أن غضبه هذا يثني الذين معهم الحقيقة عن إبدائها، ويسمح للجهل القديم أن يرجع للناس في زي العلم الحديث بلا جواز ولا بحث ولا تفتيش؟
يغضب أو لا يغضب. لقد فعلها العالم النمسوي «فردريك هرتز» وقال ما قال وأجره على الذي خلقه! قال لعلماء الأجناس المتعصبين إنكم مخطئون جد مخطئين، وإن أصلا من أصول الأمم المختلفة لا يخلو من أوشاب كثيرة يدخل فيها غربيون وشرقيون، وإنه ما من محمدة تدعى لأوروبا إلا وللأجناس الأخرى مثيلاتها، وما من مذمة تدعى على الأجناس الأخرى إلا وفي أوربا قديمها وحديثها مثيلاتها، وأيد كل قول قاله ببرهان إن لم يكن دامغا نافذا فهو لا يقل في دمغه ونفاذه عن براهين جوبينو وشمبرلين.
فللزنوج أثر في أوربا تدل عليه الجماجم التي وجدت في ألمانيا، وبلجيكا، وفرنسا، وكرواتيا، ومورافيا، ووجد ما يشابهها منذ ثماني سنوات في أفريقيا الجنوبية، وقد بقي أثر للأقزام السود في جبال الألب إلى عهد بليني الذي تكلم عن هؤلاء الأقزام، وعززت كلامه القصص والأساطير.
Bog aan la aqoon