199

Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta

ساعات بين الكتب

Noocyada

إن هذا بعيد عن الحواريين وكتاب الرسائل المسيحية الأولى؛ ولأنه بعيد عليهم يكون ما في أقوالهم من التناقض والغلو الذي لا يستغرب منهم مزكيا لزبدة تلك الأقوال ودليلا على أن «الشخصية» التي تحفظ خطوطها الصحيحة وراء نقائضهم ومبالغاتهم شخصية إنسان كان في عالم الحقيقة المحسوسة، وليست بشخصية خرافة أو كذب مقصود أو غير مقصود.

3

يشتمل كتاب «ابن الإنسان» أو تاريخ المسيح لإميل لدفج على تمهيد وفاتحة وخمسة أبواب، وفي التمهيد يقول: ليس من غرضي أن أزعزع عقيدة المسلمين بقدسية المسيح، فقد أرمي على نقيض ذلك إلى إقناع الذين يحسبون شخصية المسيح شخصية مصطنعة بأنه كائن حق، وإنسان في الصميم، ولو أنه لم يعش قط كما قال روسو لكان كاتبو الأناجيل في مثل عظمته، وليست وجهتي أن أشرح التعليم الذي يعرفه جميع الناس، ولكنني أرسم حياة النبي الباطنة وتعنيني دنياه التي كان يشعر بها لا نفوذه الذي جاء بعد ذلك بسعي الآخرين.

أما الفاتحة فهي فصل يصف به بيت المقدس في عصر المسيح، ويلم إلماما وجيزا بالأفكار الدينية والأدبية التي بدأت تشيع قبل المسيحية، وفيها مشابهة لوصايا المسيح كفلسفة سنيكا الأديب الروماني، وفيلو الفيلسوف الإسرائيلي الإسكندري، وهلل الحبر الإسرائيلي، وغير ذلك من الآراء التي نجمت عن اتصال المعاشرة بين اليهود واليونان والرومان، واضطرار بعض اليهود إلى مجاراة الحكومة الغالبة، والتسامح فيما يتشدد فيه الفريسيون المتنطسون، وهو يجيد في وصف الحياة العامة بأسلوب القصص الذي لا تعمل فيه، ولا سيما وصف الهيكل ونزول الليل عليه وطلوع النهار، والمقابلة بين حياة نساكه وحياة الرومان ومن تشبه بهم من أبناء إسرائيل.

وفي الباب الأول كلام مجمل على طفولة المسيح بدأ به والمسيح صبي يخلو إلى نفسه في الهضاب والمروج، وينصت إلى أصداء الطبيعة والحياة، ويتغذى بذلك الغذاء الروحي الذي لم يستغن عنه عظيم من عظماء الروح في عهد الطفولة، وقد تخلل هذا الوصف بوصف الناصرة ومعيشة أهلها الفقراء والأغنياء، وظهور الطوائف الدينية التي تنحو نحو البساطة في الاعتقاد والعبادة، ولا تتقيد بشعائر الكهنة ولا بالسنن العسيرة التي يتشبث بها الفريسيون، وإن كانت تتقشف في المعيشة، وتعرض عن الجاه واللذات، وفي هذا الباب الأول كلام على «يوحنا المعمدان» وتفريق بين شخصيته وشخصية المسيح، وبين سهولة هذا وعنف ذاك يطابق المأثور عن الرسولين، ولكنه يحتاج إلى التعليل الذي هو كما لا يخفى عمل المؤرخ الأول حين يتصدى لترجمة المسيح، واستخلاص الحقائق من خلال المأثورات والروايات، وهنا بداية الضعف في ترجمة «لدفج»؛ لأن عظمة المسيح كلها قائمة على «الطبيعة وسعة الروح» وخروجه في ذلك العصر بالسماحة وحب الخير خلافا لسنة الأنبياء المتشددين، ولسنة العصر الذي كانت تغلب عليه العصبية من جانب المحكومين والغشم من جانب الحاكمين، فإذا كانت في تاريخ المسيح «عقدة» تنتظر الحل والتفسير فهي العقدة «الشخصية» في تكوين مزاجه، وأنت تقرأ تاريخ لدفج فترى في تمهيده وفاتحته تعليلا حسنا لحالة العصر، ولكن «الحالة الشخصية» الخاصة بالمسيح لم تتقدم على يديه كثيرا، ولم يجئ فيها بشيء لا يغني عنه محض القراءة في الأناجيل بغير تفلسف ولا تنسيق.

وفي هذا الباب تبدأ مناجاة المسيح لنفسه بأحاديث النبوة والحكمة، وتأتيه هواتف المغيب والشهادة مؤيدة لما ألهمه ضميره وزكاه إعجاب الناس بعلمه وتعليمه، فيشرع في الدعوة المحدودة وهو بين حذر يوحيه إليه الاعتبار بمصير الداعة من قبله وانتظار الثقة المكينة بنفسه وطبيعة المسالمة التي تبغض إليه مصادمة غيره، وبين إقدام يستخفه إليه الفرح بكشف قواه والإحساس بالمجد الذي يرجو التمام على يديه، ثم تتعاقب «البشائر» وهي موضوع الباب الثاني من الكتاب، فنرى المسيح قد أخذ يؤمن صدقا وجدا بأنه هو «المسيح المنتظر» الذي جاء ذكره في النبوءات، وأنه منتدب في هذه الدنيا لأمر لا حيلة له فيه، ويجيد لدفج أيضا في تعليل هذه العقيدة بالحرب الظالمة التي لقيها المسيح من المنكرين والمتعنتين الذين لا شك عنده ولا عند الناس في ضلالهم وريائهم ونصبهم الحبائل للأنبياء والمصلحين، ففي أثر كل مقاومة كان يفوه بكلمة عن رسالته لم يكن يفوه بها قبل ذلك، ولعلها لم تكن تدور في خلده؛ لأنه يعلم أن الذين يتعنتون في إنكاره مبطلون يسيرون معه على سنتهم مع الأنبياء السابقين، فلم يبق إلا أنه هو على حق وأن هؤلاء المكابرين لا يقنعونه، وهيهات أن يقنعوه بأنهم على صواب وأنه هو على الضلال، وليس من وراء ذلك إلا الثقة بالنفس؛ لأنها تزكو وتنمو كلما وثق المضطهد من بهتان الخصوم، ولا يزال الإيمان بالرسالة يقوى ويكبر في نفس المسيح حتى تخطر له الهجرة إلى بيت المقدس والتبشير برسالته في الهيكل بين الكهان والأحبار، فيدخل الكاتب في الباب الثالث من تاريخه وعنوانه «الظلال تظلم» ثم يعقبه الصراع ثم الآلام، وفيها الخاتمة، وهي والبابان اللذان قبلهما لا تضيف شيئا إلى تكوين المسيح من حيث الملكة والإيمان بالرسالة، ولكنها تعرض ذلك الإيمان لكثير من المحن والغموم.

يقول لدفج في ختام كتابه بعد أن شاع في بيت المقدس أن جسد المسيح لم يوجد في قبره: «كانت أورشليم قد علمت كلها بالخبر في اليوم التالي، فشاعت في المدينة مائة إشاعة يدفع بعضها بعضا، فمن قائل أن بيلاطس ندم على تسليم جسد المسيح لأصحابه فأمر بإخفائه، ومن قائل إن الكهان سرقوه لكيلا تفتتن الجماهير بتقديسه، وخاطر ثالث يقول إن البستاني هو صاحب السر كله؛ لأنه خشي أن يكثر الوافدون على القبر فتتلف أزهاره، ورابع يقول بل هي فعلة لصوص المقابر الذين ينهبون من القبور كل ما يباع بمال، وخامس يقول إنه ما من أحد قط مات على الصليب بعد صلبه بساعات ثلاث، وإن تلاميذ الناصري لا بد قد أنعشوه من موته الظاهر وأبعدوه إلى مخبأ أمين، وذهب الكهان إلى بيلاطس يلومونه لتراخيه ويتنبئون بالمصاب الجلل بعدما أتيح لأتباع النبي أن يستولوا على جسده ليقولوا للشعب إنه رفع من الموت، ولكن النساء اللواتي أحببنه اعتقدن أنهن شاهدن المسيح في حلم اليقظة يرتفع بجسده.»

وظاهر من هذه الخاتمة ومما تقدمها أن لدفج يرجح القول بموت المسيح على الصليب، وكذلك يرجحه رينان، ويعزو البقية إلى خيال مريم المجدلية، ولكن فئة من المؤرخين ومنها أرثر ويجال المعروف عندنا في مصر، وصاحب الكتب المعدودة في تاريخ القديم يرون غير هذا الرأي، ويقولون إن حياة المسيح لم تنته على الصليب، وفي كتاب ويجال الحديث «الوثنية في مسيحيتنا» وهو الكتاب الذي نعتمد عليه كثيرا، يقول ذلك الأستاذ: «قبل هبوط الليل أخذته حالة شبيهة بالموت، كأنما هي معجزة ختمت على آلامه التي لم تطلق من فمه كلمة غاضبة، فأنزله أصحابه من على الصليب ووضعوه في جوف الصحراء، ليدفنوه عند الفجر بعد انقضاء العيد، ولكنه أفاق قبل تلك الساعة، وراح يخبر تلاميذه أنه حي وهم لا يصدقون ما يرون، ثم ذهب إلى الجليل، وتحدث إليهم فلم يكن في أعينهم إلا طيفا من عالم الأموات، فتركهم آخر الأمر وهو يقول إنه سيعود، ولكنه لم يعد قط، وانتهت بذلك قصته التاريخية .»

فالأستاذ ويجال يريد أن يقول: إن الذين رأوه وذكروا أنهم رأوه قد عاينوه حقا، وقد عاينوه جسدا وليس كما خيل إليهم أنه روح أو طيف صاعد من الأموات، فتلاميذه الذين رأوه وسمعوه كما جاء في الأناجيل، والخمسمائة الذين نظروا إليه كما جاء في الأعمال وفي رسالة بطرس الرسول، إنما شهدوه عيانا في قيد الحياة، ولم يشهدوا روحا ولا طيفا بعين الوهم أو بعين البصيرة، ويعزز ويجال قوله بما جاء في إنجيل يوحنا من أنهم رأوه على بحيرة طبرية ذات صباح، وطلب منهم طعاما، فالأرواح لا تطلب الطعام.

على أن بعض المؤرخين غير ويجال يروون كلاما غريبا لأناس زعموا أنهم رأوه في الهند بعد ذلك وعرفوه وحادثوه، ولا يسعنا هنا إلا الاعتراف بعجز المؤرخين عن ترجيح قول على قول، بما يروون من الأخبار أو يتمحلون من التفاسير. •••

Bog aan la aqoon