123

Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta

ساعات بين الكتب

Noocyada

بقي أن نشغل أنفسنا بما يتاح لنا من الكمال المحدود في هذا العمر القصير، ولا عجب أن نشغل أنفسنا بهذا فقد سمعنا بالكثيرين ممن قضي عليهم بالموت يذهبون إلى الجلاد في أجمل بزة، وأحسن هيئة، ويأبون أن يذهبوا إليه شعثا غبرا على غير ما يليق بهم من السمت والجمال، فإذا كانت «الإنسانية» مقضيا عليها بالموت بعد الدهر الدهير، فليس ذلك بمانع أحدا أن يتزيا بما يتاح له من أزياء الكمال في البقية الباقية لها من العمر الطويل؛ لأن الكمال خير من النقص على كل حال، أو لعله أسهل من النقص في عرف من ينشدونه ولا يعيشون بغيره.

لكل عصر مثال أو أكثر للرجل الكامل في الحاضر والمستقبل، ولهذا العصر أمثلته الكثيرة للكمال، ولكنها تلتقي كلها في مثالين متناقضين: أحدهما هو «السبرمان» والآخر هو «الجنتلمان».

يتناقض هذان المثالان: فالسبرمان في رأي نيتشه - صاحب هذا المثال - إنسان فرد منظور في خلقه إلى نفسه لا إلى غيره، أما «الجنتلمان» فمنظور فيه إلى البيئة لا إلى نفسه، ومطلوب منه صفات اجتماعية لا توافق الصفات الفردية التي يطلبها صاحب ذلك المثال.

فالسبرمان طالب قوة لا يعدل بها شيئا، أو طالب جمال؛ لأن القوة هي الجمال، وهو قهار متجبر لا يرحم نده، ولا يعطف على من دونه ولا يحسب للناس حسابا إلا أن يكون ذلك لسفك دماء، أو مخالفة على عداء، وهو عضو في مجتمع، ولكنه كالعضو «الفزيولوجي» الذي يأخذ نصيبه من الغذاء كله، ولا يترك بقية منه للأعضاء الأخرى، إلا ما زاد على حاجته، وكذلك يجب أن تكون بنية المجتمع في رأي نيتشه، وإلا كان الجسم الذي ينزل فيه عن غذائه رعاية لعضو غيره مشفيا على السقم والموت، وغير أهل لأن يجمع بين هاتيك الأعضاء، فآفة الحياة الإنسانية السليمة أن يأخذ فيها كل إنسان حقه، ولا يبالي بمن يعجز عن أخذ حقه لنفسه؛ لأن الجسم الصحيح يصنع هكذا في توزيع الغذاء على جميع الأعضاء.

أما الجنتلمان فيخالف هذا المثال من وجهين: يخالفه أولا في أنه اختراع لم تخترعه عبقرية واحدة كالسبرمان، ولكنما اخترعته أمم وعصور لا تحصى، وإن كانت كلمته التي اشتهر بها من لغة الإنجليز، ويخالفه ثانيا في صفاته الفردية والاجتماعية؛ لأنه يدين بالعطف الذي لا يدين به السبرمان.

والذين عرفوا «الجنتلمان» كثيرون، ولكننا نجتزئ منهم بتعريفي اثنين قد أحاطا بأحسن ما يقال في صفات هذا المثال، فالسير شارل والدشتين يقول في كتابه الأرستو، ديمقراطية «إن المثل الأعلى للجنتلمان يشمل فيما يشمله أن يكون رجل شرف، أي رجلا يعنى في جميع أعماله بأن يعيش وفاقا لأعلى مبادئه، على الرغم من وحي المصلحة والراحة الذي قد يجنح له إلى وجهة أخرى، وهو رجل قد أدخل في قانونه - غير ناظر إلى المنفعة أو المآرب الخاصة - أسمى مبادئ الأخلاق الاجتماعية التي تعرف في زمانه، فالشرف والنزاهة في جميع معاملاته، والصدق في صفقات العمل، أو في العلاقات الدقيقة بينه وبين الناس تمتزج عنده بالكرم والإقدام على اتخاذ تلك المبادئ التي لا تبالي أحكام الظروف، ورجل الشرف هو ذلك الذي لا يقدر على عمل وضيع ولا على فكر وضيع ولا على إحساس وضيع، والذي لا يستطيع عوض أن يكون جبان النفس أو جبان الجنان، وهو مثال الرجولة والشجاعة الأدبية، قد تعهد في نفسه شجاعة أفلاطون التي تسيطر على الغرائز والشهوات، وتوحي إليه إذا دعت الضرورة أن يقف بمفرده بين أطلال الأثرة والجور الذي يسيطر على ما حوله.»

ويقول الكردينال نيومان فيما نقله عنه المطران الفيلسوف «أنج» في كتابه «إنجلترا»: «ألزم تعريفات الجنتلمان يقال: إنه ذلك الذي لا يوقع ألما بأحد كائنا ما كان، وإنه يجتنب جهده كل ما يخدش أذهان صحبه، أو يكدرها، وإنه يجتنب الصدمة والاحتجاز والكآبة والتذمر، وإنه يجعل همه الأكبر أن يدع كل إنسان على هينة وطمأنينة، ولا يتحدث عن نفسه إلا مضطرا ولا يدفع عن نفسه لمجرد رد الإساءة، ولا يصغي إلى وشاية أو لغو، أو يتعجل بإسناد الغرض إلى من يتعرضون له، بل يفسر كل شيء على أحسن وجهه، والجنتلمان لا يكون وضيعا ولا صغيرا في منافساته، ولا يخلط بين الشخصيات والكلمات العوراء وبين الحجج والبراهين، أو يلمح بالسوء الذي لا يجهر به، وهو إنسان له فهم يعصمه أن يضطرب من العدوان وشغل يلهيه عن تذكر الإساءة، وحلم يأبى عليه الضغينة، وقد يكون على خطأ أو صواب في آرائه، ولكنه أصح فكرا من أن يكون ظالما، وعنده من البساطة مثل ما عنده من الإخلاص والمسالمة والطيبة، وأن ينفذ إلى عقول خصومه، ويلتمس الأعذار لما لهم من الأخطاء.»

فالصورة الأولى أقرب إلى الأدب، والصورة الأخيرة أقرب إلى الدين، وكلتاهما مثل أعلى يعسر وجوده في حقائق الحياة.

أي المثالين إذن أولى بالاتباع؟ الجنتلمان أو السبرمان؟

موعدنا بذلك المقال القادم إن شاء الله.

Bog aan la aqoon