Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta
ساعات بين الكتب
Noocyada
فيض يشف فما به كدر
ومدى يفيض فما له حد
وجلست ما بدا لي أن أجلس، ثم نهضت إلى الحمار وهو مطرق «يفكر» كحمار شيخوف فلعله يسأل نفسه . ما لهؤلاء الناس ولهذه البقعة لا يفتئون يأتون بي إليها من حين إلى حين؟ وماذا يشوقهم منها ولا علف فيها ولا خضرة ولا ماء؟ فإن لم يكن هذا سؤاله فهو أعلم من أناس يسألون هذا السؤال، ولا يعثرون له على جواب!
الكمال (1)1
... فكرت في تطور الحياة وسعيها نحو الكمال ثم سألت نفسي: ولكن هل الإنسانية بالغة من الكمال حدا ليس بعده غاية؟ وإذا بلغت ذلك الحد فما قيمة الحياة بعد ذلك؟ وما هي تلك الصورة التي يتجلى فيها ذلك الكمال؟ وإذا كانت لن تبلغ حد الكمال فإلى أي مدى ستنتهي، بعثت إليك بهذه الخواطر لتبسط الرأي على صفحات البلاغ الأسبوعي، وتكشف عن الحقيقة، ولك مني جزيل الشكر.
محمود محمود محمد
مصر في 26 ديسمبر سنة 1927
إن الأديب صاحب هذا الخطاب يحسب أنني أعرف من أمر المستقبل ما لا يعرفه هو أو يعرف أي إنسان، وهذا حسن ظنه منه لا حيلة لي في تحقيقه، ولو شئت لأحلته إلى ما بعد ألف سنة، ووصفت له ما عسى أن يكون عليه حال الإنسان في المستقبل القريب فلا يستطيع أن يناقضني فيما أقول. أو يستطيع هو أن يناقضني، وأستطيع أنا أن أرجئ الأمر إلى أن يحين الموعد، ونرى أينا أدنى إلى الحقيقة! ولكني لا أحب هذه النبوءات المعلقة، وأريد أن أخطو معه خطوات في عالم المجهول، ونحن على مأمن من الرجعة إلى مكاننا في القرن العشرين.
ولا يحسبن الأديب أنني قليل الادعاء في علم المستقبل إلى الحد الذي تخيله له هذه المقدمة الوجيزة، فإنني مدع له الآن شيئا أنا على أتم اليقين منه، وأوكد التوكيد من صدقه، فأقول له: إن الإنسانية لن تبلغ أبدا حدا من الكمال ليس بعده غاية؛ لأن هذا ينتهي بنا إلى الكمال المطلق في مخلوقات لها بداية ونهاية ونشأة تندرج عليها من نقص إلى كمال، فضلا عن أن الكمال المطلق شيء غير مفهوم، ولا يمكن أن يفهم؛ لأنه غير محدود، وكل ما كان غير محدود فليس في الإمكان حصره، ولا الإحاطة به من طريق المعرفة الإنسانية، وهو فضلا عن هذا أيضا غير مرغوب فيه لو أمكن وقوعه؛ لأن الحياة كلها قائمة على الحاجة والحاجة قائمة على النقص، فإذا كملنا كمالا لا حاجة بعده فقدنا لذة الحياة من حب وطعام، وسعي وتحقيق للأمل، ونصر على المخاوف، إذ كان لا معنى للحب في مخلوق كامل المطالب؛ لأن الحب هو الحاجة إلى شريك أو الحاجة إلى خلف، ولا معنى للطعام من باب أولى ولا للسعي ولا للأمل والخوف، فالكمال المطلق إذن شيء لن نبلغه ولن نتصوره ولن نستريح إليه، والأديب صاحب الخطاب على هذا الرأي كما أرى لأنه يسأل: إذا بلغنا ذلك الحد فما قيمة الحياة بعد ذلك؟ وهو على حق في سؤاله؛ لأن الحياة الإنسانية لا قيمة لها إذا بطلت فيها الحاجة، والسعي إلى سدادها، وإنما نترقى في الاحتياج كلما ارتقينا فيكون أرفعنا نفسا ذلك الذي يحتاج إلى أمر لا يحتاج إليه من هو دونه. وحاجة الكمال نفسها مطلب لا يشعر به كثيرون، ولا يقلقون بالهم بما كان منه وما هو صائر إليه، فهذه ضريبة على بني الإنسان لا فكاك منها، ولا هم يستوفونها إلى أن يدركهم الزوال، وصدق من قال:
تموت مع المرء حاجاته
Bog aan la aqoon