111

Saacadaha u Dhaxeeya Buugaagta

ساعات بين الكتب

Noocyada

س أن الحمام مر المذاق

فإنما الحياة إلف هذا الهواء، وهي إلفة، أو عادة، من وقع في أسرها شق عليه الفكاك منها.

ولكن من نعني إذا قلنا: إن الإنسان يألف الحياة؟ نعني ذرات في الجسم الحي ألفت أن يتصل بعضها ببعض، وأن يكون اتصالها هذا على صورة خاصة بها، فإذا كانت جرأة من الإنسان على الموت فليست هي إلا تلك الجرأة النبيلة على اقتحام الحديد، وليست هي إلا الفتح للمجهول والغلبة على أسر القيود، وقد يتعود الإنسان ذلك أيضا فلا يقدم على ترك الحياة إلا بقوة من الحياة.

إن تعقب الدرجات التي تترقى فيها الكائنات تهدينا إلى فروق بينها، يمكن إجمالها في فرق واحد، وهو أن الخليقة كلما ارتقت كانت آية ارتقائها القدرة على الابتداع؛ أي على اقتحام المجهول والغلبة على القيود، فبين الجماد والنبات والحيوان والإنسان فروق خلاصتها أن أرقى هذه الكائنات أقدرها على قهر العادة بعادة أكبر منها، بل لك أن تقول: إن أرقى هذه الكائنات من تم له الانتقال من العادة البسيطة إلى العادة المركبة، ومن العادة المحصورة في نفسها إلى العادة التي تشرئب لما فوقها، وسنعيد هذا القول بعبارة أسهل موردا على الذهن، وأبعد عن أغراب الفلسفة التي تصد بعض الأسماع عنها، فنقول: إن الابتداع هو علامة الارتقاء، وإن الابتداع هو الخروج على العادة، وإن القدرة على الابتداع لن تخرج عن كونها عادة أخرى لا رأي للمرء في اتباعها أو اجتنابها، وإنما هي عادة أرفع من عادات وقيد أجمل من قيود. •••

ألاحظ أنني كلما دخلت حجرة مظلمة مددت يدي إلى مفتاح الإنارة أديره، قاصدا أن تضيء تلك الحجرة، فإذا تكرر هذا العمل مرات في أيام متواليات تعودت يدي أن تمتد إلى مكان المفتاح بقصد وبغير قصد، فإذا كان الوقت نهارا وكنت مشغول الفكر في أمر من الأمور أدرت المفتاح، ولم ألتفت إلى ما صنعت إلا بعد حين، وقد يكون الوقت ليلا والحجرة مضاءة فتتحرك يدي بغير تفكير إلى المفتاح تديره، فإذا الحجرة مظلمة فأنتبه إلى خطأ اليد في هذه الحركة، فالعمل الذي تتعوده يعفيك من مؤنة التفكير والتدبر، ويريحك من جهد الإنشاء والموازنة، ولكنها راحة لا تنال إلا على حساب ملكة معطلة، وقدرة في الذهن مهملة. أو كما قال أبو تمام:

بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها

تنال إلا على جسر من التعب

ففي كل حرية تبعة ومشقة، وفي كل راحة إعفاء من تبعة وسلامة من مشقة، وهنا تتلخص محاسن العادة ومساوئها، فإذا هي تسهيل وحرمان في آن واحد.

تعود عملا من الأعمال تسقط عنك كلفاته وتبعاته، ويسهل عليك أداؤه، ولكنك تخرج بذلك العمل من حيز الابتداع، وتدخل به في حيز الآلية، فأنت كاسب خاسر، ومستهدف لراحة الإعفاء وخطره في وقت واحد، ولن تسلم من مغبة العادة إلا إذا «تعودت» أن تكون مبتدعا أبدا تتخذ من تسهيل بعض الأشياء سلما إلى اقتحام ما فوقها ، كما يصنع القائد الفاتح حين يأمن على أرض ذللها ليتخذ منها حصنا يهجم منه على ما بعدها، فأما أن تخرج بالعادة من دائرة الابتداع أبدا فتلك خسارة وعبودية، وكل ما فيها من راحة إنما هو راحة العبد يعفى على طوع أو كره من تكاليف الأحرار وتبعات «المسئولين».

ويقول ببليليوس سيروس الروماني: «في بعض الأحيان يكون من الشر أن تعود نفسك ما هو خير» وهذا قول حكيم، ونظر صحيح، فإن العادة خير إذا سهلت لك عمل الخير، وسوغته لطبعك، وأجرته من أخلاقك مجرى الأمر الذي لا تعسف فيه ولا إرهاق، ولكنها شر إذا سلبتك التصرف، وجعلتك عبدا لشيء من الأشياء لا مفر لك منه، ولا علم لك بالمواضع التي يحسن فيها اجتنابه، فالابتداع - بعد كل ما يقال - هو أحسن عاداتنا؛ لأنه رفيق الحرية ورفيق التبعة، نتجدد به ولا نخسر بالتزامه ، وسنة الحياة هي سنة الابتداع، فهي لا تفتأ في جديد وهي لا تطمئن على محصول حتى يلج بها القلق، ويحملها الشوق إلى سواه، وقد كانت الهجرة عادة حسنة لبعض الطير، وكانت له فيها سلامة ونجاة؛ فلما اعترض البحر طريق هجرته أصبحت وبالا عليه أشد من الوبال الذي يخشاه؛ وكثير من الناس من يألف الشيء فيجني به خيرا، أو يمهد به طريقا وعرا، ولكنه يتمادى فيه فينقلب عليه، ويحتاج إلى الخلاص منه، ولا ضير على الإنسان أن يعدل عن صواب أصبح خطأ، وإنما الضير أن يستعبده الصواب، فإذا هو مخطئ على الرغم منه، وإذا هو شر من المخطئ الذي يفكر ويريد.

Bog aan la aqoon