أحببتك أيها القاضي والناقد، ولكنكما عندما رأيتموني مصلوبا قلتما: «ما ألطف نزف دمائه من عروقه، وما أجمل الخطوط التي ترسمها في مسيلها على جلده الناصع!»
أجل، أحببتكم جميعكم، فتاكم وشيخكم،
وأحببت قصبتكم المرتجفة كسنديانتكم الجبارة الراسخة،
ولكن وا أسفاه، فإن قلبي الطافح بحبكم قد حول قلوبكم عني،
لأن في وسعكم أن ترتشفوا خمرة المحبة من القدح الصغير، ولكنكم لا تقوون على شربها من النهر الفياض.
إنكم تستطيعون أن تسمعوا صوت المحبة عندما تهمس في آذانكم،
ولكنكم تصمون آذانكم عندما تصيح المحبة مهللة بأعلى صوتها.
وعندما رأيتم أنني قد أحببتكم جميعكم بالسوية، تهكمتم قائلين: «ما أسهل انقياد قلبه، وما أبعد الفطنة عن مسالكه! إن محبته هذه محبة متسول جائع، قد تعود التقاط الفتات، ولو كان جالسا إلى موائد الملوك، بل هي محبة ضعيف حقير؛ لأن القوي لا يحب إلا الأقوياء.»
وعندما رأيتم أنني أحببتكم حبا مفرطا قلتم: «إن محبته هذه محبة أعمى لا يميز بين جمال الواحد وبشاعة الآخر، بل هي محبة عديم الذوق، الذي يشرب الخل كأنه يشرب الخمر. بل إنما هي محبة فضولي مدع؛ إذ أي غريب يستطيع أن يحبنا كأبينا وأمنا وأختنا وأخينا؟»
وهذه أقوالكم وغيرها كثير؛ لأنكم طالما أشرتم إلي بأصابعكم في شوارع المدينة وساحاتها، وقلتم بعضكم لبعض ساخرين: «بربكم انظروا الصغير الكبير، الذي لا يعبأ بالفصول والسنين؛ فهو عند الظهيرة يلاعب أولادنا، وعند المساء يجالس شيوخنا مدعيا الحكمة والفهم.»
Bog aan la aqoon