Wiilka Wajiga Dayaxa
الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق
Noocyada
قال لي «لو كاردينال» في إحدى الليالي على العشاء في بيته: «لم أكن مساعدا جيدا، ولكني كنت مستمعا جيدا.» أدهشت العفوية الظاهرة لمجتمع لآرش لو كاردينال؛ طريقة تحقيقها لطموحات مجموعة متنوعة من الناس الذين لديهم قدرات مختلفة. ويرى لو كاردينال أن كل ما حققه من نجاح بوصفه كاتبا ومحلل نظم يرجع إلى «أشياء تعلمها في لآرش.»
كما هو متوقع من شخص وظيفته تحليل عملية معقدة إلى أجزائها المكونة لها، ثم توجيه إحدى الآلات لتكرار هذه الإجراءات، بدأ لو كاردينال في تحليل مؤسسة لآرش، فأعد قائمة بكل «المساهمين» في أي مقر لها؛ النزلاء والمساعدين والمديرين والآباء الذين لهم تأثير على نوعية الحياة ولهم حصة في الناتج، ثم فرز حاجاتهم ومدخلاتهم إلى وجهات نظر واضحة، ثم قسمها بشكل فرعي وفق نقاط الالتقاء بين وجهات النظر هذه، وأضاف إلى هذا الفهم المنهجي ما استطاع تمييزه من آمال كل منهم ومخاوفهم وتوقعاتهم وأي إغراءات لديهم لتدمير النظام، ثم درس ما توصل إليه من نتائج.
اندهش لو كاردينال من النتيجة التي توصل إليها؛ حيث وجد أن مؤسسة لآرش قدمت ذكاء جماعيا أكبر من مجموع أجزائها؛ إذ أدى التفاعل بين الأسوياء والمعاقين إلى ظهور وجهات نظر أكثر تعقيدا من أي منهما على حدة. وبالنظر إلى إقامتي القصيرة في لا سيمانس، أستطيع رؤية تلك الديناميكية على أرض الواقع ، مثلا بدا جيجي فاقدا للشعور بشكل أو بآخر، حتى إني وجدته يضحك على عروض جاري، وكانت استجابته تحفز جاري، وتدفعه إلى الاجتهاد أكثر من أجل إقامة علاقة جيدة مع النزلاء. وحين قابلت فرانسين على كرسيها المتحرك مصادفة وأمسكت بذراعي وقربت وجهي من وجهها، رددت عليها بمعانقتها وتقبيلها، ولمحت أنها كانت تحب الرجال. ظننت أن فرانسين ليست لها احتياجات، واتضح لي عكس ذلك؛ إذ كان بإمكاني أن أشبع رغبتها بقليل من العطف. واكتشفت فرانسين أنها يمكن أن تشعر بالراحة، إذا عبرت عما تريد حين تحتاج إليه. ولم يتضح هذا بالنسبة إلى كل منا إلا حين تعاملنا معا في تلك اللحظة بوصفنا متساويين.
قال لي لو كاردينال: «ما وجدته مدهشا هو نموذج التعقيد ... أنا متأكد من أن العقل، العقل النشط، جزء من التعقيد؛ هي سمة جديدة غير مخطط لها تنتج من التعقيد. وليس ذكاء النظام في أجزائه، ولكنه في التعقيد ذاته، في العملية التي يتفاعل بها الناس. بالمثل، يقدم أي مجتمع في لآرش سمات جديدة ليست في أجزائه المنفصلة، مثل الاعتماد المتبادل والمساواة التامة. ومن هذه السمات الجديدة الاحترام الكامل والمتبادل بين أذكى الأشخاص وأكثرهم إعاقة.»
سألته: «هل يمكن أن تجد تعقيدا في عقل معاق؟ يبدو هذا غير منطقي.»
رد لو كاردينال: «نعم يمكن ذلك، إذا كان لديك مجتمع.» والتقط قطعة من الخبز المرقق، وبعض الزبد على سكين، ثم قال: «إذا أردت بسط الزبد، فستنكسر قطعة الخبز.» وفعل ذلك، فانكسرت قطعة الخبز كما قال. «ولكن إذا استخدمت قطعتي خبز كي تدعم كل منهما الأخرى، فلن تنكسرا. لقد اكتشفت الفرق بين الضعف والهشاشة، فعكس الضعف القوة، وعكس الهشاشة الصلابة. فليس الضعف هو قضية المعاقين؛ فهم ليسوا ضعفاء على الإطلاق، لكن الهشاشة موضوع آخر، وهو أمر يمكن علاجه بالتعاون.»
أدرك لو كاردينال أنه توصل إلى نظرية جديدة وراديكالية للإدارة، وهي التي قام عليها العديد من الكتب المشهورة منذ ذلك الحين. وفي كتابه «ديناميكيات الثقة»، يطبق لو كاردينال الدروس التي تعلمها من التعامل مع المعاقين ليضع نظرية يحدد فيها لماذا يمتلك بعض الناس ثقة أكبر من غيرهم، وكيف يمكن بناء الثقة بالنفس. وقد ساعد الكتاب في التأسيس للدراسة العلمية للثقة. ومن أحد رواد العلم الجديد مارتن سليجمان، عالم النفس من كاليفورنيا، والذي بدأت شهرته من دراساته عن العجز المكتسب في سبعينيات القرن العشرين.
قال لو كاردينال: «ما كنا نتعلمه كان جديدا تماما ... دائما ما يقول المعاقون: «هل لي أن أثق بك بقدر حاجتي إليك؟» وهذا هو سؤالهم المحوري. ولحظة حل مشكلة الثقة، يصبح من السهل الدخول في عالم المعاقين واكتشاف ماذا يمكنهم تعلمه وإنجازه.»
منذ ذلك الحين أخذ لو كاردينال يطبق الاكتشافات التي توصل إليها في لآرش بشأن تقييم الخطر، وبناء الثقة بأية مجموعة - فكرته القائمة على أن الثقة والتعلم ينبعان من الاعتراف المتبادل بالاحتياج المتبادل - على المشكلات الأخرى. وعمل لمدة ست سنوات في روسيا البيضاء، حيث طلب إليه البحث عن أسرع الطرق فاعلية لتعليم النساء المقيمات بالقرب من تشيرنوبل ألا يقدمن لبنا مشعا لأسرهن. وبدا الأمر أصعب مما كان يبدو عليه؛ إذ كيف تمنع الناس من تناول طعام رئيسي - ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بلبن ينتجنه بلا تكلفة في مزارعهن - بسبب كارثة وقعت منذ ثلاثين عاما؟ كانت حكومة روسيا البيضاء قد جربت منع شرب اللبن، ولكن لم يجد الأمر نفعا.
بدأ لو كاردينال مع امرأة واحدة، وشرع في توفير «ثقافة الرعاية» التي كانت ستطور «الوعي الذاتي بالخطر» الخاص بها، ثم استخدم أساليب بناء الثقة المستمدة من مؤسسة لآرش لمد تأثير تلك المرأة التي اختارها إلى بقية النساء في المجتمع. وحين بدأ لو كاردينال المشروع، في بلدة يقطنها 1200 شخص و350 طفلا، كان يحصل الطفل فيها عند تناوله لإناء من اللبن في المتوسط على ألفي وحدة بيكريل من التلوث الإشعاعي. (ويعتبر مستوى 100 وحدة بيكريل مقبولا، أو على الأقل غير ضار.) وبعد ست سنوات، قلل لو كاردينال وفريقه متوسط الجرعة من اللبن إلى جرعة تحتوي على 50 وحدة بيكريل لكل طفل . وتوسع المشروع منذ ذلك الحين ليشمل حماية أكثر من 600 ألف شخص.
Bog aan la aqoon