84

Wiilka Wajiga Dayaxa

الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

Noocyada

قال فانيه: «يمكنني القول: إنني بمجرد أن بدأت، شعرت بأنني رجعت طفلا، فكان يمكنني الضحك، ويمكننا أن نقضي وقتا مرحا، وكنا نجلس أمام المائدة ونلهو. لقد كنت جادا جدا حتى هذا الوقت. فبوصفك ضابطا في البحرية، فإن عليك أن تكون جادا جدا، وتدرك كيف تقود الآخرين. وحين بدأت التدريس، كنت أتحلى بالجدية الشديدة؛ إذ كان عليك أن تظهر أنك تعرف الكثير عن الأشياء التي تدرسها.»

ثم أضاف: «لكن الأمر هنا مختلف؛ إذ يمكننا اللهو لأن لغة المعاقين هي لغة المرح. أعتقد أنك تعرف هذا مع ووكر ؛ فلا تكن جادا أكثر من اللازم . استمتع بالحياة، واجعل هناك مكانا للمرح.» تطور طقس القبول العميق ثلاثي الجوانب لدى فانيه: قبول فانيه لرفيقيه المعاقين، وقبولهما له، وربما الأهم هو قبول فانيه لنفسه في دوره الجديد، الأقل طموحا، والمعاكس للاتجاه السائد في المجتمع.

أطلق فانيه على دار الرعاية لآرش، وفق الكلمة الفرنسية التي تعني السفينة، تشبيها لها بسفينة نوح. ومما أصابه بالدهشة أن المشروع جذب الاهتمام في السنوات التالية، وجذب أيضا مع الوقت التبرعات والتمويل الحكومي؛ مما سمح له بالتوسع.

قال لي جان لوي مان حين التقينا: «في البداية كان فانيه لا يزال متمسكا بالفكرة التقليدية الخاصة بعمل الخير من أجل مساعدة الفقراء، لكن بعد ذلك تغير هذا الفكر؛ إذ أدرك أنه كان يستفيد. وبعد ذلك أراد فانيه أن يكون صوت من لا صوت له، وسرعان ما اكتشف أن الحياة البسيطة، العيش مع رافييل وفيليب، حياة تبعث على الرضا.» وبالتدريج، انتشرت أخبار فانيه وانجذب الشباب من كل أنحاء العالم إلى ما فعله؛ مما دعاهم إلى الحضور إلى مؤسسة لآرش ليقوموا بخدمة المعاقين لمدة عام أو عامين أو أكثر. (ومن ضمن هؤلاء جان لوي مان وجاري ويب، وهناك الكثير ممن ظلوا يعملون في المؤسسة على مدار ثلاثين سنة لاحقة.) وبحلول عام 1971، توسعت مؤسسة لآرش على الصعيد الدولي، وزاد الطلب على الالتحاق بها بشكل كبير، ولا سيما من الآباء الذين لم يعودوا قادرين على رعاية أطفالهم الكبار. ولم تستطع المؤسسة بناء مقرات ومجتمعات لخدمة هؤلاء جميعا، ولكن في ذلك العام، وبمساعدة زميلة له تسمى ماري-هايلين ماثيو، أنشأ فانيه مؤسسة «فيث آند لايت»، وهي عبارة عن شبكة من مجموعات الدعم الممتدة للأفراد الذين لا يمكنهم الإقامة بشكل كامل في أحد مقرات مؤسسة لآرش. واليوم هناك حوالي 1500 شبكة من شبكات مؤسسة فيث آند لايت في 78 دولة تخدم المعاقين وآباءهم على حد سواء، وهو تطور لم يسترح له فانيه في بداية الأمر؛ إذ قال لي فانيه، وهو راجع بظهره إلى الوراء على كرسيه في مكتبه : «في البداية لم أكن أهتم بهم ، واستغرق الأمر مني فترة طويلة حتى بدأت الإصغاء فعلا إلى مطالب الآباء؛ لأن معظم المعاقين الذين كانوا يأتون إلينا في البداية، كان آباؤهم أمواتا أو هجروهم وهم أطفال صغار. وهكذا كان بداخلي في البداية بعض الضيق من الآباء.» تفهمت هذا الشعور؛ إذ كان لدي بعض الضيق من نفسي لسماحي لووكر بأن يعيش في مكان آخر، على الرغم من أن هذا كان ضروريا. لكن عندما قابل فانيه كثيرا من الآباء الذين لم يتركوا أطفالهم ولكنهم مع ذلك لا يمكنهم رعايتهم، بدأت أفكاره المتشددة في الاعتدال، وأثر فيه بشدة قدر الألم والذنب الكبيرين الذي كان يحاول الكثير من آباء الأطفال المعاقين التعامل معه. «الذنب، الذنب. إن آباء المعاقين ككل يعدون أكثر الناس شعورا بالألم؛ لأن كثيرا منهم يشعرون بالذنب، فهم يسألون ذلك السؤال الرهيب: لماذا حدث هذا لي؟ وتجد في أحد فصول إنجيل يوحنا قصة المسيح وحواريه والرجل الذي ولد أعمى، وكان سؤالهم على الفور: لماذا؟ خطأ من هذا؟ هل ارتكب هو أو والداه خطيئة؟ لماذا يولد لك طفل كهذا؟ ولماذا ليس لدى شخص آخر طفل كهذا؟ اقدح زناد فكرك بشأن هذا الموضوع وستجد أنك من الممكن أن تقضي وقتا طويلا في طرح الأسئلة الخاطئة. والسؤال الصحيح الذي يجب أن تطرحه: كيف يمكنني مساعدة ابني ليكون أسعد؟ والسؤال الخطأ هو: هل هذا خطئي؟»

قلت له: «لكن ما زال الرفض الاجتماعي قويا. لماذا لا يحب الناس أن نذكرهم بالمعاقين؟»

أجاب فانيه: «في رأيي يصاب الناس بالذعر عند رؤية المعاقين؛ فهذه الرؤية قد توحي إليهم بأنه في أحد الأيام قد تحدث لهم حادثة ويصبحون معاقين. فأنت تعلم، كلنا نخشى الموت، والمعاقون علامة على الموت.» ثم بدأ يحكي حكاية أول شخص يموت في دار رعاية لآرش في ترولي، وهو مساعد اسمه فرانسوا. ولحظة انتشار الخبر وسط النزلاء، قرر اثنان منهم رؤية فرانسوا، فقادهما مساعد آخر إلى الغرفة التي كان يرقد فيها جثمان فرانسوا في تابوت مفتوح، وذلك لمن أراد أن يلقي نظرة الوداع عليه. سأل أحدهما، جان لوي، المساعد إن كان ممكنا تقبيل فرانسوا قبلة الوداع، فقال له المساعد إنه لا مانع من هذا. قبل جان فرانسوا الميت، لكنه تعجب قائلا: «اللعنة! جسده بارد!» ثم غادر، وسمع المساعد جان وهو يقول وهو خارج من الغرفة: «سيتعجب الجميع بشدة من أنني قبلت شخصا ميتا!»

توقف فانيه عن الحديث، ونظر إلي وهز كتفيه، ثم قال: «ماذا حدث؟» ومما أشعرني بالارتياح أنه لم يكن من المفترض مني أن أرد؛ ففانيه كان سيجيب بنفسه. قال: «أعتقد أنه كان يقبل إعاقته؛ لذا فإن قبول المعاقين هو طريقة من طرق قبول الشخص للموت.»

فجأة وجدتني أسرد لفانيه حكاية تحميم ووكر؛ كيف أني عندما كنت أشعر بضيق شديد ولم يكن يجد أي شيء، كان بإمكاني أن أشعر بتحسن حين أحمم ووكر؛ لأن هذا كان يريحه أيضا.

سأل فانيه: «هل اتضح الأمر لك؟ فأنت تحمم إعاقتك أنت.»

هذه وجهة نظر لم أصادفها من قبل، أقر بهذا.

Bog aan la aqoon