Wiilka Wajiga Dayaxa
الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق
Noocyada
استطعت رؤية كل شيء في أشعة الرنين المغناطيسي؛ لسانه واللوزتين والحلق والفقرات وجمجمته الصغيرة وظلال مخه الضعيف غير المكتمل. كانت هذه هي صورته تماما؛ إذ أراني حالة عقله، كما كانت، ولكن بصورة غير مباشرة، بالاستنتاج والاستدلال، موضحا لي الأشياء المفقودة فيه، الظلال المتبقية لما حجب الضوء. ولد أستطيع رؤيته في الغالب في حالة هدوء، أرى فيه ما تبقى منه فقط. مثل الحب أحيانا، ومثل كل شيء يتضح للمرء بعد فترة لدهشته أنه مهم، ومثل النظر إلى خريطة، خريطة قديمة غريبة من حقبة أخرى، أو حتى أبعد من ذلك؛ من فترة زمنية أخرى. لا يوجد كنز للأسف، فقط تساؤلات، في أشعة رنين مغناطيسي لمخ.
لا بد أني تهت في صور الأشعة، وبالتدريج أدركت أن رايبود كان يتحدث، وأسماء أجزاء المخ التي كانت تبدو أنها ترجع إلى العصور الوسطى كانت تنساب بيسر من فمه بينما كان يعرض صورا أخرى لرأس ووكر، فلووكر تجاويف دماغية نخاعية كبيرة، ولكنها داخل النطاق الطبيعي. «خمسون في المائة من المخ مادة بيضاء، وليس لديه أكثر من ذلك، ويمكن أن أقول: إن المخ الأمامي صغير إلى حد ما.» وللحصين، ولا سيما الفص الصدغي الإنسي، أخاديد أو تجاعيد قليلة للغاية. إن المادة الرمادية للمخ هذه، السطح المجعد، هو المكان الذي ينشأ فيه محتوى أفكارنا والارتباطات التي نقوم بها (مثل الذكرى الخاصة برائحة مسحوق اللبن الصناعي، والصورة الذهنية لوجه ووكر وهو يبكي)، وتوصل المادة البيضاء المحتوى هنا وهناك (تجعلني رائحة مسحوق اللبن الصناعي أرى ووكر في مخيلتي). علاوة على ذلك، أوضح رايبود أن لدى ووكر مادة رمادية أقل من معظم الناس؛ لذا فحتى لو كان نظام توصيل المعلومات سليما عنده، فمن المرجح جدا أن يكون محتواه بدائيا من الأساس. «فالمخ - اعترف رايبود أنه قال عنه «المخ» لكي تكون هناك مسافة بينه وبين الطفل الذي كان يصفه - صغير للغاية.» وفيما عدا ذلك، كان من الصعب وصف المشكلة؛ فرغم كل المشكلات الفسيولوجية التي أظهرتها أشعة الرنين المغناطيسي، فالمشكلة الوظيفية في مخ ووكر ونشاطه الكهربائي المهدر، كانا غير مرئيين.
أجلت فحص مخ ووكر إلى النهاية، على أمل أنه قد يكشف ووكر لي، ولكن لم يكن لدى مخه ما يقوله لي عمن هو ووكر وكيف يبدو له العالم، أكثر مما عرفته بنفسي. وأفصحت لي صور الأشعة المتقدمة أقل مما أستطيع معرفته في عشر دقائق في صحبته، ولم تعطنا هذه الصور أي معرفة متقدمة أو تبين تفاصيل دقيقة. فهي تقرير فني واف عن أجزاء المخ، وليس منبع عدم فائدتها لنا أنها غير معمقة بما يكفي. قال رايبود، على سبيل القياس: «يمكن لمشكلة واحدة فقط أن تتسبب في إيقاف شبكة الإنترنت بالكامل.» وقارن الصور الموجودة على شاشة الكمبيوتر - أنا لا أختلق هذا - بصور مخ كلب. «للكلب نفس الذاكرة ونفس الذكاء الانفعالي اللذان لديك، ولكنه لا يستطيع تشغيل كمبيوتر، ولا يمكنه إجراء العمليات الحسابية أو فهم السياق جيدا؛ فليس للكلاب هذه الفصوص الجبهية الأمامية.»
قلت له: «ولكن ووكر لديه تلك الفصوص.» «ولكنها قد لا تكون متصلة معا اتصالا جيدا.» ويحتمل أن يكون السبب هو مسار
RAS ، الذي يؤدي إلى نقل أجزاء صغيرة من المخ إلى أماكن لم يكن من المفترض أن تنقل إليها، فتفرط في بناء الخلايا في أماكن ما بلا داع، وتقلل البناء في أماكن أخرى بلا طائل. وهذا أمر غير مرتبط باكتمال الأعضاء؛ فعند ووكر كل الأجزاء: الجهاز الحوفي، والأجزاء الحسية الجسدية، ولديه الأجزاء الثانوية، وأجزاء المعالجة والتوقع، ولديه حتى الأجزاء التي تقوم بعمليات الارتباط الخاصة بالمخ، بالرغم من ضعفها بعض الشيء، وأطباق الرادار المرتبطة عادة بالذكاء. «ولكن لكي تعرف ماذا تفعل بكل هذا - لكي تضع الأشكال في الوقت والمكان الصحيحين - تحتاج إلى طبقة ثالثة من الوظائف، وهو لديه كل تلك الوظائف، ولكنها لا تعمل بالشكل المناسب .»
علمت بعد عدة أسابيع من الدكتور روبرت مان ، طبيب الأعصاب الذي كان يعالج ووكر، أن العيوب العقلية لووكر كانت موجودة في الغالب في الخلايا العصبية، على المستوى العصبي الكيميائي؛ أي المستوى الذي لم يستطع العلم التوصل إليه، ناهيك عن فهمه. وقال مان: إن هناك بعض الأدلة الجديدة التي تشير إلى أن بعض الأطفال الذين لديهم وجوه مشوهة لديهم جذوع مخية غير طبيعية، مما ينتج عنه حدوث مشكلة في آلية امتصاص السيروتونين؛ مما يصعب عليهم الشعور بالسعادة، وربما يصعب عليهم عملية التعلم. وقال مان: «لكننا لا نعلم الكثير عن المخ - تكررت هذه العبارة مرة أخرى - فلا نستطيع رؤية المسارات العصبية بسهولة. وهناك أنواع كثيرة من التغيرات العصبية الكيميائية في مخ ووكر، وهذا هو المسار التالي الذي علينا أن نسلكه.» إن طبيعة المخ تعوق الأبحاث العلمية التي تجرى حوله. أوضح مان أن مادة المخ لزجة جدا مثل الجيلي بحيث يستحيل تشريحه في حالته الطبيعية، كما أن المواد الكيميائية التي تجعله قابلا للتجزئة تغير المواد العصبية الكيميائية داخله. وبسبب الحاجز المخي الدموي للجسم، لا تظهر هذه المواد العصبية الكيميائية في عينات الدم. وحتى سائل النخاع الشوكي، وهو طريقة أخرى محتملة لدراسة المواد العصبية الكيميائية في المخ، يغيره التخدير الضروري لسحب السائل في المقام الأول. يبدو الأمر كما لو أن مخ ووكر لا يريد أن يخضع للدراسة.
كان دكتور مان رجلا تبدو عليه علامات الشباب في الأربعينيات من عمره، وكان يرتدي ملابس غير رسمية، ولديه مكتب على حافة المدينة، لم يكن بعيدا جدا عن دار الرعاية التي كان يعيش فيها ووكر، وكثيرا ما كان يستدعى إلى تلك الدار؛ فقد كان كثير من النزلاء يعانون من نوبات. في الغالب لم يكن يعاني ووكر من هذه النوبات، ولكن إيذاءه لنفسه كان يمثل لغزا. قال مان: «في رأيي إنه يمثل حاجة ملحة لإحداث شعور ما، سواء أكان سارا أم غير سار، أرى أن هناك علامات على شعوره بالإحباط.» ولكن كان هذا تخمينا.
قلت: «يبدو أنه حالة ميئوس منها.»
قال مان: «لا توجد حالة ميئوس منها بالنسبة إلي؛ فإذا قابلت طفلا يسير بكرسي متحرك وجعلته يبتسم، فأنت قد قمت بعمل رائع. وليس مطلوبا منك أن تكون بطلا.»
كانت زوجته قد ماتت بالسرطان في بداية زواجهما، وقد كرس نفسه الآن لدراسة مخ الأطفال المعاقين. فانتقلت حياته من مسألة لا حل لها إلى أخرى. ***
Bog aan la aqoon