101

Wiilka Wajiga Dayaxa

الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق

Noocyada

أتى ووكر إلى بيتنا بعد أسبوع، وحين دخلت البيت عائدا من العمل وأخبرت أولجا ووكر أني قد عدت، جاء ليرحب بي، وهذا أمر غير عادي؛ إذ عادة لا يفعل ذلك، وكان علي أن أنادي عليه. لم يكن يبدو حزينا، ولكنه كان مترقبا، وإذا كان من الممكن أن يكون هناك أمر يشغله، لكان هذا، لعلك تفهم ما أرمي إليه.

لم أكن أدري هل أذكر له كولين. هل لاحظ ذلك؟ كانت تريش تعتقد أن أيا من النزلاء لم يدرك موت كولين، ولكني لست متأكدا من ذلك.

قلت في نفسي: سأقول شيئا على أي حال. كان بجانبي، وظل بين ذراعي، في موضع الراحة الأساسي له. قلت له: «أهلا، بيجل.» باعتبار أن هذا ما أقوله على الدوام، حتى أكون متسقا في كلامي، «كيف حالك؟» وربت على كتفيه برفق كعادتي، وجعلت رأسي في مستوى عينيه، وضربت برأسي العاري رأسه الذي عليه خوذة (برفق)، وقلت: «ألاي، ألاي، ألاي، ألاي.» باعتبار أن هذا ما أقوله دائما، ثم قربته مني أكثر ووضعت فمي قريبا من أذنه. بدا الأمر كأنه شيء مهم، ولكنه بدا أيضا كأنني أتحدث إلى طوبة، وقلت: «شعرت بالحزن لما أصاب كولين!» و«هل تفتقده بجوار التليفزيون، وهو محني على ذلك الكرسي الصغير الذي بلا ظهر؟» و«أعلم أنكما كنتما صديقين»، و«هو يسمح لك أن تقف أمام التليفزيون وتعترض مجال رؤيته. هذا شيء لطيف تفعله تجاه شخص ما، كما تعرف، لكن ألا تمانع إذا اعترض مجال رؤيتك للتليفزيون؟» و«لم يكن ينظر كولين إلى أحد، ولكنه كان يعلم دائما متى يوجد هناك شخص ما، أليس كذلك؟» و«كان يعلم دائما أنك تقف هناك.» ثم توقفت وانتظرت، وووكر كان ينظر إلي مباشرة، فقلت بصوت أعلى قليلا: «قد يكون هذا من الأفضل له الآن، فقد كان يشعر بكثير من الألم، وكان مريضا جدا»، و«هل تتذكر كيف أنه لم يكن يرد علينا قط حين كنا نناديه باسمه أو نقول له مرحبا، ولكن كنا نلاحظ دائما أنه كان ينظر إلينا بعد ذلك، ينظر ويبتسم، تعبيرا عن امتنانه؟» و«كان شابا محترما، يا ووكي»، و«كان يسعد بصداقتك»، و«أنا متأكد من أنك تفتقده، وأعلم أن هذا أمر محزن، لكن لا عليك، فأحيانا تكون مضطرا للشعور بالحزن.» وقلت أشياء أخرى لا أستطيع تذكرها الآن . وفي النهاية، قلت له: «لا أدري أين هو الآن، ولكن لا يعني هذا ألا تتذكره. وأنا على أي حال يا صغيري، أشعر بالحزن لموت صديقك.» ثم ربت على ظهره مرة أخرى، وبدا أنه - أعترف أن هذا تصور شخصي جدا من جانبي - قد شعر بالارتياح بعض الشيء. هناك شيء رق في عينيه، وهدأ تنفسه. هل يمكن أن يكون هذا ما أراد أن يوصله إلي؟

قلت كل هذا بهدوء، حتى لا تسمع أولجا وتظن أني قد فقدت عقلي، ولكني كنت متأكدا أنها سمعتني على أي حال. وما زلت لا أدري لماذا قلت هذا! ولكني أعتقد أنني خيرا فعلت؛ وذلك في حال أنه سمع بموت كولين، وفهم ما حدث له. ***

بعد يومين أخذته مرة أخرى إلى دار الرعاية، وكانت تنتظرنا تانيا - وهي شابة من منطقة الكاريبي كانت تتولى رعاية ووكر من الرابعة بعد الظهر حتى الحادية عشرة مساء - حين دخلنا الدار، كما كانت تنتظرنا تريش، العاملة الليلية، هي الأخرى. وكانت تانيا ترعى ووكر منذ ستة أشهر حتى الآن، وهي مدة كبيرة؛ إذ مرت عليه فترات كان يتنقل فيها بين المساعدين، وكان يبقى معه المعاون لمدة أسبوعين قبل أن يشعر باليأس ويتخلى عنه بسبب كثرة الصراخ أو كثرة لكم رأسه. وكانت تريش أيضا خارج القاعدة، فلقد طلب منها أن تتولى رعاية ووكر بالليل حين انتقل لأول مرة إلى الدار، منذ ثلاث سنوات، وقد كانت تعرف ووكر كما تعرف الأم طفلها، وكل ليلة تتولى رعايته تريش بعد أنه تلبسه تانيا بيجامته التي عليها صورة باور رينجرز. وفي الصباح كانت تدخل تينا، مديرة الدار، وتقوم بالغناء معه لمدة عشرين دقيقة، بينما كان يجلس على المرحاض قبل الذهاب إلى المدرسة، وكانت تحاول تعليمه الإشارة الخاصة بكلمة «العب» (يد ممدودة). صحيح أنه لم يظهر أي تقدم في تعلمها، ولكنها استمرت في المحاولة. وفي بيتنا حاولت تعليمه إشارات معدلة ل «توقف» (ضربة قاطعة بيد على اليد الأخرى) و«نعم» (القبضة لأعلى ولأسفل) و«لا» (هز الرأس يمنة ويسرة) و «حب» (اليد على القلب) و«صديق» (لمسة على الصدر). وكان يبدو أن تلك هي الكلمات التي قد يحتاج لاستخدامها، ولم يكن بارعا في تعلمها، ولم أكن كذلك في تعليمها إياه. وكان يضحك بشكل صاخب عندما أوضح له الإشارة، ثم يتجاهلني؛ فكان الأمر مثل العمل لدى شخص يبدو دائما مشغولا بأمر أهم. ومع ذلك فالطريقة الوحيدة للفت انتباه ووكر أثناء دروس لغة الإشارة هي «الحديث» بينما أحرك ذراعي ويدي. وكان يحب هذا للسبب نفسه الذي كان ينجذب به إلى معاونيه أكثر مما يفعل للأطفال الآخرين في الدار: فلم يكن أي من النزلاء يتكلم، وكان ووكر ينجذب إلى الصوت البشري، الذي لا يستطيع أن ينتجه بتمكن.

لماذا لم يستطع تعلم لغة الإشارة؟ يرى بعض العلماء أن الأطفال حتى المعاقين منهم إعاقة شديدة يضبطون إيقاع تقدمهم في التعلم، بمعنى أن لديهم شعورا بما يمكنهم تعلمه وما لا يمكنهم تعلمه، ويكيفون أنفسهم بناء على ذلك. قالت لي دارسي فايلنجز، طبيبة الأطفال المتخصصة في النمو، التي كانت تعمل في مركز بلورفيو لإعادة تأهيل الأطفال الشهير في تورونتو، والتي عاينت حالة ووكر حين كان طفلا رضيعا، وذلك مساء أحد الأيام: «أرى بالتأكيد أن الأطفال يدركون بطريقتهم قدر الاستطاعة البيئة من حولهم. وفي رأيي، هناك أنماط يمكن لووكر أن يتعلمها، وهي تلك التي توفر له الارتياح والنظام.» ولكنه لم يكن يستطيع استيعاب إلا ما هو مستعد لاستيعابه بالفعل؛ فإذا كان يتم تنبيهه بشكل مفرط بسهولة، ولم يكن مستعدا للقيام بالاتصال بالعين، فلن يكون مستعدا لتعلم لغة الإشارة؛ فالمشكلة عندي وليست عنده. من ناحية أخرى، تذكرت الدكتورة فايلنجز ووكر وهو يهبط من الزحلوقة، وهو ولد صغير، بحماس كبير. وقالت: «تعد الزحلوقة كتكرار ذي معنى بالنسبة إليه.»

هناك شيء آخر كان من الواضح أن له معنى بالنسبة إليه، وهو الاستيقاظ لأطول مدة قدر استطاعته، والمحافظة على نشاطه قدر الإمكان ما دام لديه قدر - ولو كان بسيطا - من الطاقة؛ فلم يكن يريد أن يفوته «أي شيء». وحتى في المنزل الجديد ، وهو يكبر ببطء ليصبح مراهقا، كان نوم ليلة كاملة أمرا نادرا، وحين كان ينام ليلة كاملة، كان القائمون على رعايته يشعرون بنشوة شديدة؛ لأنه في ذلك الحين يكون في حالة مزاجية معتدلة. قالت تريش لي يوما ما: «في الأيام التي يكون فيها سعيدا، يقفز على السرير، وإذا أغلقت الشبكة - الشبكة التي في سريره المغطى، والتي تحفظه من الوقوع - يذهب إلى طرف الشبكة ويرمي بنفسه على الأرض؛ فهو يرى هذا الفعل مسليا.» وفي عطلات نهاية الأسبوع بعدما يذهب للسباحة في المركز الاجتماعي، كانت تأخذه للتمشية. وقالت متحدثة عن محل البقالة القريب: «يعرفونه في سوبيز، ويقولون كلهم له: «مرحبا ووكر!» ثم نأخذ قهوة، ويحاول هو تحطيم كل شيء، ثم نجلس.» كان يحب سحب أكياس المكرونة وعلب الحساء من على الأرفف وإلقاءها على الأرض.

كان يميل إلى ضرب المساعدات في دار الرعاية بعلب ذراعه، ولا يفعل ذلك مع المساعدين. وقالت تانيا: «يضرب البنات فقط لأنهن يصحن ويقلن له: «ووكر، لا تضرب مؤخرتي!» فيضحك: هه، هه، هه.» كانت تنظر إليه وتقول: «هل هذه رقصة التزاوج؟» وتخفف لهجتها الكاريبية التي تتحدث بها من وقع المزحة. نبرة الصوت والتغيير في مقام الصوت والمعنى الضمني، فهم كل هذا؛ فقد كان يتقن اللغة غير اللفظية. ***

بعد ثلاث سنوات من الرعاية الليلية لابني، أصبحت تريش تعرف أشياء عن ووكر لا أعرفها، وهي تسرد علي شذرات من اكتشافاتها، وتضعها أمامي لأشاهدها وأتأملها.

خذ مثلا اليوم الذي كان علي أن أقابل فيه تريش وووكر في مستشفى الأطفال المرضى بتورونتو في الساعة السادسة والنصف صباحا، وقت الفحص المحدد لإجراء عملية له في الساعة التاسعة من أجل تنظيف أسنانه، وغسل أذنيه ثم إجراء اختبار سمع لهما. ليست هذه أمورا مهمة؛ ولكن لأن الأمر يتعلق بأسنان ووكر وأذنيه، تطلبت العملية تخديرا عاما؛ فمن دون تخدير عام لا يمكن إجراء أي من تلك الإجراءات، فلن يبقى ووكر ساكنا حين يضع الطبيب مسبارا داخل أذنه، أو حتى فرشاة أسنان في فمه. (والشخص الوحيد الذي يمكنه غسل أسنانه هي أولجا مربيته؛ فهو يخضع لها تماما، ويصدر فقط أنينا هادئا ومنتظما مثل المضخة الغاطسة.) نعاني من التأخير المعتاد في المستشفى: الانتظار المعتاد الذي يتراوح بين ساعة وساعتين، إضافة إلى المقابلة المعتادة مع طبيب التخدير، وهو اليوم شاب هندي يبدو أنه في العشرينيات من عمره فقط، ويريد أن يعرف إن كان ووكر يعاني من أي أنواع من الحساسية، ومكان النفخة القلبية على وجه الدقة. أقول كالعادة: «الأمر واضح في سجله.» ولكن لأن سمك السجل ست بوصات، فلا يبدو أن أحدا يكلف نفسه عناء الاطلاع عليه. والآن يتصفحه الطبيب الشاب: أرى خطابات من أطباء أعصاب لم أقرأها من قبل، ولكن الحصول على نسخ منها مثل محاولة الحصول على أسرار حكومية محظور الاطلاع عليها. يفحص العديد من الأطباء ووكر مرات كثيرة كل عام؛ فهو يصلح أن يكون مريضا مثاليا لسجل عالمي يوضع على الإنترنت. وسمعنا أن المستشفى يتحدث عن تحويل سجلات المرضى إلى سجلات رقمية منذ سنوات، وأن الحكومة تنفق حوالي مليار دولار لهذا الغرض، وسيكون مرضى السكر هم الدفعة الأولى التي ستتحول سجلاتها الطبية إلى سجلات رقمية، على الرغم من المخاوف بشأن السرية التي قد تعوق ذلك الأمر، دع عنك التكلفة. وعلى الرغم من ذلك، إذا كان هناك طفل لا تعنيه كثيرا السرية، وهو بحاجة كبيرة إلى نشر سجله الطبي على المستوى العالمي، فهذا الطفل هو ووكر. أدخل عادة في حوارات حول هذا الأمر مرات عديدة في سياق زيارة واحدة فقط إلى المستشفى.

Bog aan la aqoon