المقدمة
مقدمة المؤلف
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
Bog aan la aqoon
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
المقدمة
مقدمة المؤلف
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
Bog aan la aqoon
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
67
67
Bog aan la aqoon
تأليف
صنع الله إبراهيم
المقدمة
واكبت سنوات مراهقتي نهاية العهد الملكي في مصر. كانت البلاد تموج بدعوات التحرر الوطني من الوجود الإنجليزي العسكري، والتحرر الاجتماعي من سيطرة الإقطاع، ومن الأمية والمرض والحفاء! وشكلت هذه البيئة وجداني، وخاصة الحديث عن أن المعرفة هي كالماء والهواء، يجب أن تكون للجميع وبالمجان.
وفي مغرب يوم من سنة 1951م كنا أنا وأبي عائدين من زيارة لأحد أقاربنا في شرق القاهرة. توقفنا في ميدان العتبة لنأخذ «الباص» إلى غربها حيث نقطن. اتخذنا أماكننا في مقاعد الدرجة الثانية. نعم! كانت مقاعد «الباص» آنذاك - والترام أيضا - مقسمة إلى درجتين بثمنين متفاوتين للتذاكر التي يوزعها «كمساري» برداء أصفر مميز أثناء مروره على الركاب.
جلسنا أنا وأبي خلف الحاجز الزجاجي الذي يفصل الدرجتين، وتابعت في حسد ركاب الدرجة الأولى، بينما كان أبي غارقا في أفكاره التي تثيرها دائما أمثال هذه الزيارات.
قلت بحماس طفولي: «سيأتي اليوم الذي يزول فيه هذا الحاجز، بل ويصبح الركوب بالمجان.»
تذكرت الروايات التي أعشق قراءتها فأضفت: «والكتب أيضا!»
تطلع إلي باستياء من سذاجتي. «نعم! الكتب بالمجان؟ يا لها من سذاجة!»
ولم أتصور وقتها أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه كتبي أنا متاحة للقراءة بالمجان! وذلك بفضل مبادرة جريئة من مؤسسة مصرية طموحة. فشكرا لها!
Bog aan la aqoon
صنع الله إبراهيم
مقدمة المؤلف
في بداية صيف سنة 1968م سافرت بالباخرة إلى بيروت، وأقمت ثلاثة أشهر في منزل أحد زملائي في وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية (الذي تبينت بعد ذلك أنه كان على علاقة وثيقة بالمخابرات المصرية). وخلال تلك الفترة كنت أتكسب عيشي من ترجمة ملخصات للروايات الأمريكية لدار «النهار»، وأعمل على روايتي الثانية - بعد «تلك الرائحة» - في انتظار وثائق تعييني في القسم العربي بوكالة أنباء ألمانيا الديمقراطية «الشرقية».
أطلقت على الرواية اسم «67» ولم أفكر في محاولة نشرها بمصر لبعدي عنها ولظروف الرقابة وقتها، وشجعني جو السماح السائد في لبنان (رغم سيطرة السفارات الأجنبية على وسائل الإعلام بها) فقدمتها إلى عدة دور للنشر رفضتها جميعا، أتذكر منها الدار التي أنشأها نزار قباني لتقتصر على نشر كتبه، ودار الآداب التي أسسها سهيل إدريس. وكتب لي سهيل إدريس رأيه الرافض بخط دقيق في ورقة صغيرة للغاية - ضاعت مني للأسف خلال أسفاري - برر فيها موقفه بأن بطل روايتي مصاب بهوس الجنس. وكان سهيل قد نشر للتو روايته «الخندق العميق» التي يمكن إلصاق نفس التهمة بها.
انشغلت بعد ذلك عن محاولة نشرها بأسفاري وبالعمل في روايتي التالية «نجمة أغسطس»، التي أتممتها في موسكو مطلع عام 1973م. وعند عودتي إلى مصر في العام التالي كنت قد نسيت أمر رواية «67»، وانشغلت بمشاغل الحياة وبمحاولة كتابة رواية جديدة، كما وجدت أن الأجواء السياسية والاجتماعية السائدة لا تساعد على نشر رواية كتبت في ظروف معينة وبحرية تامة، كما أنها قد تستخدم من قبل القوى اليمينية في حملاتها ضد الناصرية والاشتراكية. وهو وضع استمر طوال السنوات التالية (45 سنة منذ كتابتها)، إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011م.
أسفرت هذه الثورة - رغم فشلها في تحقيق أهدافها - عن نتيجة فورية وهي اتساع مساحة التعبير بشكل غير مسبوق.
وفي مراجعتي لأحد المخابئ التي أستخدمها تحسبا لزيارة مفاجئة من رجال السلطة عثرت على مخطوطة الرواية. كنت قد نسيت أمرها تماما فقرأتها باهتمام، وداعبتني على الفور الرغبة في محاولة نشرها؛ فقد تبينت الدور الذي تمثله كحلقة من حلقات تطوري الإبداعي، وشهادة على فترة حافلة في تاريخ البلاد. ترددت طويلا قبل الإقدام على هذه الخطوة، لكن أصدقائي شجعوني بالإضافة إلى شعوري بقرب النهاية المحتومة لرحلتي.
أبقيت على النص الوارد في المخطوطة كما هو دون تغيير، فيما عدا تصويب الأخطاء اللغوية، وتدبرت القيام ببعض الإيضاحات وأساسا بالنسبة لقضية «المترو». ففي التاريخ الذي جرت فيه أحداث الرواية كان يطلق على الترام الذي يربط أنحاء حي «مصر الجديدة» اسم «المترو»؛ لما تميز به من وجاهة! والآن - في تاريخ النشر - صار هناك «مترو» حقيقي في الحي إلى جوار «الآخر» القديم، فلزم التصحيح منعا للالتباس. لكن الصديق علي الفارسي أقنعني بالإبقاء على المترو القديم والاكتفاء بهذا الإيضاح.
ص. إ.
الفصل الأول
Bog aan la aqoon
قال
أخي إنه لن يشرب الليلة لأنه سيعمل في الصباح. وقالت زوجته: كيف يعمل المرء في أول العام الجديد؟! أفرغت كأسها كلها وقامت تحضر واحدا آخر. وقالت
سعاد
إن زوجة أخي فظيعة. غادرت مقعدي وعبرت الصالة حيث كانت
إنصاف
تجلس بمفردها بجفون منتفخة وشعر غير مرتب يملؤه البياض. قالت إنها تتمنى لي عاما سعيدا. وتأملت الحاضرين، ثم قالت: هو وحده الذي ينقصنا. وقالت: لا بد أن نبني له قبرا. كيف نتركه هكذا في قطعة أرض لا تحمل حتى اسمه؟ لماذا يحرمونه حتى من اسمه؟ ألا يكفي أنهم قتلوه بعد تعذيبه؟ كانت عيناها الآن حمراوين. قلت: لقد نسينا أن نزور قبره في ذكرى وفاته. قالت: ذهبت أنا بمفردي. لم يعد أحد يذكره الآن، والذين لم يكونوا شيئا أصبحوا كل شيء. وهو أحسنهم وأشجعهم. تأملت رجلا أنيقا في الخامسة والأربعين ذا وجه محتقن متعب قام يملأ كأسا كبيرة بالخمر. سألتها إذا كانت تريد شيئا من الشراب فقالت: لا. قلت: سأشرب أنا. تقدمت من الطاولة التي صفت عليها عدة زجاجات من النبيذ والبراندي الرخيص، تحيط بزجاجتين من الويسكي جاء بهما أحد الحاضرين، مع زجاجة ثالثة أخفتها زوجة أخي. التقت عيناي بعيني
صادق
وكان منهمكا في الحديث إلى فتاة أجنبية جاءت معه. لم تكن ترفع عينيها عنه أو يكف جسدها عن الحركة. أما هو فلم يكن يرفع يده عن بين ساقيه. أشار لي رمزي من بعيد أن أحضر له كأسا فحملت له واحدة. وعبرت الصالة عائدا فرأيت زوجة أخي ترحب بعجوز ملأت وجهها بالأصباغ. قالت لي زوجة أخي إن العجوز كلمتها في التليفون وقالت إنها تريد أن تأتي لأن ابنها خرج مع زوجته، ولو ظلت هذه الليلة بمفردها ستبكي. اتجهت العجوز إلى ركن وحملت إليها كأسا. عدت إلى
إنصاف
فوجدتها تتحدث مع زوجة
Bog aan la aqoon
عادل . قالت إنها ما زالت تدفع إيجار شقتها في المحكمة لأن صاحب المنزل يرفض الاعتراف بالتخفيضات. وكانت عينا زوجة
عادل
المتعبتان شاردتين كأنما تفكر في شيء ما، أو تصغي لحديث داخلي. سألتها عن زوجها فهزت كتفها وقالت: ربما يأتي. قلت لإنصاف: لو جاءت ابنة أختها الليلة سأطلب منها أن تتزوجني. نظرت
إنصاف
إلى زوجة أخي وقالت إن لها ذراعين جميلتين. وكانت زوجة أخي تتحدث في استغراق مع رجل لا أعرفه. كان ذراعاها بيضاوين ممتلئتين بانسياب من حنية الكتف حتى راحة اليد، ومشدودتين مثل ساقيها. ورأيت كأسها فارغة فحملت كأسين إليها وإلى رفيقها. توقفا عن الحديث بمجرد اقترابي، وقدمته إلي على أنه صديق أخي. ناولتهما الكأسين وعدت إلى طاولة الشراب فحملت كأسا أخرى وبحثت عن أخي فوجدته في غرفته مع الرجل الأنيق ذي الوجه المحتقن المتعب وامرأة تبدو زوجته. قدمه لي أخي على أنه رئيس مجلس إدارة الشركة التي يعمل بها. وعاملته باحترام فانتفخ. عدت إلى الصالة فوجدت
سالم
وزوجته قد وصلا، وكان حاجباها مرفوعين إلى أعلى في تحد كعادتها، وبالمثل كان صدرها. أزحنا المقاعد جانبا، وبدأ البعض يرقص في خجل. جلست بجوار
فؤاد ، سألته لماذا لا يرقص مع
سعاد ؟ قال إنه لا يشعر بالرغبة في ذلك، وقال إنه أصبح في الأربعين. قلت: آن لك أن تتزوج. اقتربت
سعاد
Bog aan la aqoon
منا وهي تحرك قدميها وتدعوه إلى أن يشاركها، ثم ابتعدت غاضبة. قال إنه يخشى هذا اليوم دائما ويشعر فيه بانقباض. وقال إنه سمع باعتقال البعض منذ أسبوع. قلت: لماذا؟ قال: لا أحد يعرف. انضم إلينا
صادق
وسألني إن كنت قرأت مقاله الأخير. قلت: إني لا أقرأ المقالات أبدا. قال إن
عادل
كف عن الكتابة من مدة وبدأ يعمل في الإعلانات. قال
فؤاد : لا أراه هنا الليلة رغم وجود زوجته. قال
صادق
إن له علاقة بواحدة أخرى صغيرة. لمحت
رمزي
واقفا بمفرده فذهبت إليه. في الطريق قذفتني العجوز ذات الأصباغ بكرات ملونة وهي تضحك ببلاهة. قال
Bog aan la aqoon
رمزي
وهو يشير إلى الفتاة التي أحضرها
صادق
معه: لا أدري من أين يقع عليهن. وقال إنها تبدو مغرمة به، ولكن الأمر لن يتجاوز هذا الحد؛ فسيهرب في الوقت المناسب. سألته عن
عواطف
فقال إنه قضى معها وقتا سيئا بالأمس. وقال إنها مشكلته الأزلية في الفراش، فإما أن يصل قبل الوقت المناسب أو لا يصل مطلقا. وقال إن
صادق
شيء لا يصدق؛ فهو يعبث بجسمه طوال الوقت، وعندما يجلس لا يكف عن الحركة إلى أعلى وأمام. وقال إنه لم يكن يتصور زوجة أخي فاتنة هكذا. كانت كأسي قد فرغت فغادرته، ودق جرس الباب فاتجهت نحوه، لكن القادمين كانوا رجلا عجوزا وزوجته وابنته. ورحبت بهم زوجة أخي وقالت لي إنهم جيران قدامى. وكانت البنت في الأغلب صغيرة وتضع قناعا تنكريا على وجهها. وألفيت نفسي بجوار زوجة رئيس أخي فدعوتها إلى الرقص. قالت: لا أعرف ما إذا كنت سأتذكر. كانت سمراء طويلة في الأربعين. وضعت يدي حولها وألصقت جسمي بجسمها وبدأنا نتحرك. قالت: لنتحرك ببطء حتى لا نصطدم بأحد. كان هذا مناسبا لي فلم أكن خبيرا بالرقص. تحركنا ببطء وقد التصقت بها تماما دون أن تعترض. وتوقفنا عن الرقص بعد قليل بسبب ضيق المكان. وكان
صادق
ما زال مع
Bog aan la aqoon
فؤاد
وقد انضم
رمزي
و
سالم
إليهما. ألفيتهم يتحدثون في السياسة. وقال
فؤاد
إن القائد القديم يقضي الوقت كله في تربية البط ويصفه في طابور صباحا ومساء، ويستعرضه بلا موسيقى. تركتهم وبحثت عن زوجة أخي فوجدتها تجلس بجواره. سألتهما: لماذا لا ترقصان؟ قال أخي إنه لا يعرف. وقفت زوجة أخي قائلة: سأرقص معك. أحطتها بذراعي وأرحت أصابعي على ظهرها العاري. قالت إن غرامي فيما يبدو لم تأت. حركت أصابعي على ظهرها ولمست العقد الثمين الذي أهداه لها أخي بمناسبة العام الجديد. قلت: لو عرفتك قبل أن تتزوجي أخي لتزوجتك أنا. قالت: ما كنت سأنظر إليك وقتها لأنك كنت صغيرا. ضممتها إلي حتى التصق جسدانا وأسندت خدي إلى خدها. قلت: ليس الفارق في السن بيننا كبيرا. سنتان فقط. خلال شهور قليلة سأتم الثلاثين. نظرت إلى عيني وابتسمت وقالت: ضمني أكثر. رفعت يدي عن ظهرها حتى استقرت على ساعدها الممتلئ المشدود عند الكتف، وقربت أنفي من إبطها. لم تكن لها رائحة. قذفتنا عجوز الأصباغ بالكرات الملونة وهي تضحك. وضغطت زوجة أخي يدي فجأة محذرة قائلة إن أخي ينظر إلينا. تركتها وابتعدت قائلا إني سأدخن. أشعلت سيجارة، ثم اتجهت إلى أخي الذي يكبرني بعشر سنوات وكان قد بدأ يشرب. قلت: أقررت ألا تعمل غدا؟ قال: شيء من هذا القبيل. وأمامنا كان رئيس أخي قد استند إلى الجدار وفك رباط رقبته، وبدا وجهه شديد الاحتقان وهو يحاول احتضان زوجة عادل. قال أخي إن رئيسه كان ضابطا فقيرا، وإنه الآن يلعب بالآلاف، وقال إنه التقى به لأول مرة في
فلسطين . تركته إلى جهاز الأسطوانات فأوقفته وبحثت عن أسطوانة
زوربا
Bog aan la aqoon
فوضعتها فوقه وأدرته من جديد. اقترب مني
رمزي
وقال إن الكلمات اليونانية تبدو حزينة للغاية. قلت: سمعت أنها كتبت في السجن. انضم إلينا
فؤاد . سأله
رمزي
عما إذا كان ما يزال في نفس المكتب. قال إنهم نقلوه إلى فرع آخر من الشركة بعد التلاعب الذي اكتشفه. تطلعت حولي ورأيت زوجة أخي ترقص مع
صادق
وقد أمالت رأسها على كتفه، وكان أخي يرقبهما من مكانه. وكانت عجوز الكرات الملونة تضحك وهي تجمع الكرات من كل مكان في الصالة وتقذف بها
صادق
وزوجة أخي. مشيت إلى المائدة التي وضعنا عليها بعض الطعام. وجدت الحلوى التي يحبها أخي قد قاربت على الانتهاء. حملت إليه ما تبقى منها، وذهبت أملأ كأسي. كانت الساعة قد أوشكت على الثانية عشرة. بحثت عن زوجة أخي ووجدتها تقف إلى جواره. مشيت في بطء كي لا أهتز. طلبت من الفتاة الصغيرة ذات القناع أن تراقصني، وكانت أمها ما زالت في مقعدها لم تبارحه، أما أبوها فكان قد بدأ يضحك، وخلع سترته كاشفا عن كرشه الكبير. قالت الفتاة إنها رأتني من قبل وأنا لا أذكر. قالت إن اسمها
Bog aan la aqoon
عفاف ، وإنها في أول سنة بالجامعة. طلبت منها أن أقابلها فأعطتني رقم تليفونها. وعندما أطفئوا النور حاولت أن أنزع قناعها لأقبلها، فتعثرت أصابعي في خيوطه ولم أتمكن من خلعه. أضيء النور من جديد. كان الجميع يضحكون فيما عدا أخي الذي بدا غاضبا لأمر ما. وذهب يملأ كأسه. وتقدمت مني زوجته. قلت لها إني رأيت أن
صادق
يجيد الرقص، ضحكت وقالت إنه خجول جدا، وفي العام الماضي ذهب معهم إلى الشاطئ وخجل أن يخلع ملابسه وينزل إلى الماء، لكن الطفلة أجبرته على ارتداء المايوه وطاردته في الماء، فبقي به عدة ساعات وكان سعيدا كالأطفال. وقالت إن زوجته تقول إنه لا يقربها إلا مرة واحدة في العام. وقالت إنه طيب للغاية. إنسان حقيقي، والوحيد الذي تجده بجوارك في محنتك. ناداها أخي فذهبت إليه. اقترب مني
فؤاد
وقال إنه يريد الانصراف لأن أمامه مشوارا طويلا إلى
المقطم . وقال: لا بد أن تأتي وترى شقتي الجديدة فهي تطل على
القاهرة
كلها. وسألني: أما زلت تقيم هنا؟ قلت: لم أجد بعد مكانا آخر. انصرف
فؤاد
ورافقته حتى الباب، وعندما عدت رأيت أخي يحاول احتضان زوجته من الخلف، فنحته عنها غاضبة. مشى مترنحا إلى ركن فارتمى على مقعد ثم انحنى إلى الأمام وأفرغ كل ما في جوفه. وقالت لي
Bog aan la aqoon
إنصاف
إنها تود الانصراف، فقلت لها إني سأذهب بها إلى منزلها. ذهبت إلى حجرتي فأخذت معطفي، وعندما عدت إلى الصالة وجدت زوجة أخي تزيل الآثار التي خلفها أخي. صحبت
إنصاف
إلى الخارج وأمسكت بيدها أساعدها على هبوط السلم. هبطت بصعوبة شديدة كعادتها. ووقفنا في الطريق ننتظر تاكسيا. كان منزلها قريبا لكن المشي كان عسيرا عليها. ووجدنا تاكسيا أخيرا حملنا إلى منزلها. صرفت التاكسي ورافقتها إلى باب شقتها. انتظرت حتى دخلت وأضاءت النور. ورأيت الصورة الكبيرة المعلقة في الصالة والتي يبدو زوجها فيها بقامته الطويلة. ودعتها وانصرفت. وكان الهواء باردا في الطريق لكنني رغبت في السير. ارتديت معطفي وأحكمت إغلاقه حول عنقي، ووضعت يدي في جيوبي ومشيت. كانت شوارع
مصر الجديدة
هادئة كالعادة، وضجة الاحتفال بالعام الجديد تنبعث من بعض المنازل. مشيت طويلا وأنا أستنشق الهواء النقي، ثم اتجهت إلى المنزل. ووجدت الأنوار كلها مطفأة. فتحت الباب وأضأت النور، وذهبت إلى المطبخ وأضأت نوره، وعدت إلى الصالة فأضأت نورها. كانت زوجة أخي قد أزالت بقايا الطعام والشراب وأعادت شيئا من النظام إلى الأثاث. وكانت غرفة نومها مفتوحة ومظلمة، وكانت غرفة أخي مظلمة أيضا وبابها مغلقا. دخلت غرفتي وأضأت نورها. خلعت ملابسي ثم دخلت الحمام وأشعلت السخان. غسلت قدمي، ولمحت بعض الملابس الملونة في إناء الغسيل البلاستيكي. مددت أصبعي في الماء ورفعت منه قطعة صغيرة من ملابس زوجة أخي الداخلية. تأملتها في الضوء، ثم أعدتها إلى مكانها. وذهبت إلى المطبخ فشربت كوبا من الماء وأطفأت نوره وأغلقت بابه. أطفأت نور الصالة وتوقفت أنصت، كانت هناك همهمة خافتة تنبعث من غرفة أخي. ولجت حجرتي وأطفأت نورها وتمددت فوق الفراش. أشعلت سيجارة، ثم أطفأتها بعد نفسين. التففت جيدا بالأغطية واستدرت على جانبي، ونمت على الفور، ثم وجدتني أحدث
إنصاف
في التليفون وكانت تسألني عن شيء ما حدث في الماضي. انتهى الحديث ودخلت أنام في زنزانة وكان بابها محطما وقضبانه كقضبان الأقفاص. حاولت إصلاحها لأحكم إغلاقها علي خوفا من شخص ما. ونمت واستيقظت فجأة على رائحة أبي. شممتها من رذاذ فمه المتناثر على وجهي مثلما كان يحدث عندما كان يرقيني وأنا صغير؛ فقد كان يقرأ بعض الآيات ويده على رأسي، ثم يتوج ذلك بالبصق في وجهي. ورأيت جسما أسود في فرجة الباب، ثم تبينت عينين مرعبتين. صرخت، وفكرت. إنه ليس كابوسا لأن صوتي كان واضحا وفي الكابوس لا يخرج الصوت مطلقا. وبدأ أبي يرقص في فرجة الباب، ثم اتخذ صورة الشيطان. ظللت أصرخ حتى استيقظت. قمت وأضأت النور، وجلست فوق حافة الفراش وأشعلت سيجارة. وعندما انتهت السيجارة أطفأت النور وعدت إلى النوم .
الفصل الثاني
كان
Bog aan la aqoon
الطريق قذرا موحلا وقد تلاشت معالمه من ذاكرتي. وقلت
لسعيد
إني ما كنت سأعرف المنزل لو جئت بمفردي. قال إن أمه منذ أسبوعين تلح على رؤيتي. قلت: لعلها أحسن حالا الآن. قال: ما زالت تعتقد أن أخي على قيد الحياة، وأنه سيأتي ذات يوم. أردت أن أصدق ذلك للحظة، لكنى كنت أعرف أنهم ضربوه حتى مات، ثم أخفوا جثته. وجدنا أمه متربعة على فراشها ورأسها ملفوف بلفاعة بيضاء. وكان وجهها الأبيض صبوحا. قالت إنها غاضبة مني لأني لم أزرها. قلت: لعلي أنتظر أنا أيضا عودة ابنها. قالت إنه أرسل لها منذ أسبوع أنه قادم لكنه لم يأت. نظرت إلى
سعيد ، ثم إليها وقلت: سيأتي بالتأكيد. قالت إنها أعدت لي كبدة محمرة كالعادة. قلت إني لن آكل لأن لدي عملا. ونظرت إلى ساعتي. كان أمامي ساعة على موعدي مع
عفاف . قلت إني سآتي مرة أخرى. ورافقني
سعيد
إلى أول الشارع. أخذت الأوتوبيس إلى منزل
رمزي ، وكان يقيم بمفرده في الناحية الأخرى من
مصر الجديدة . نزلت في الشارع الرئيسي وانطلقت إلى الشارع الجانبي الذي يقع منزل
رمزي
Bog aan la aqoon
على ناصيته. كان الهواء باردا لاسعا كالعهد بشهر
فبراير . مشيت بجوار سور طويل من الآجر الأحمر تبدو منه حديقة مهجورة. وكان بالسور باب حديدي صغير عليه لافتة تحذر من الكلاب، وبجواره واجهة زجاجية عريضة كواجهات الحوانيت لا يبين شيء من ورائها بسبب مصاريع خشبية مثبتة من الداخل، وفوق الحانوت الغريب كانت هناك لافتة بالخط الكوفي تتألف من هذه الكلمات: كان يا ما كان. ولم يحدث أن رأيت ما بداخل الحانوت من قبل؛ ففي المرات التي مررت فيها من هنا كنت أجد المصاريع الخشبية مغلقة، وأنسى دائما أن أستفسر من
رمزي . بلغت المنزل الذي يسكن طابقه الثالث، وكان البواب مضطجعا كعادته أمام المدخل في مقعد من القش وقد بدت ذقنه البيضاء المشذبة أنيقة، وأمسك بالقرآن. صعدت السلم وكان المفتاح معي ففتحت ودخلت. خلعت سترتي وطفت بأرجاء الشقة، عثرت على نصف زجاجة براندي فصببت منها في كوب زجاجي ، وجلست في الصالة أدخن أمام التليفون، ودق جرس الباب فأسرعت أفتح لعفاف. كانت تلهث وقالت إنها صعدت السلم جريا، وإن البواب رماها بنظرة نكراء. أخذتها من يدها إلى الصالة وأجلستها على أريكة وجلست أمامها. قالت إنها وجدت صعوبة في العثور على المنزل، وإن وصفي له لم يكن دقيقا. انتقلت إلى جوارها واحتضنتها وقبلتها في فمها، ولم تكن تعرف كيف ترد القبلة. وتمددنا على الأريكة، وبعد لحظة قامت وخلعت ملابسها، وقالت إن الدنيا برد، فأحضرت غطاء من حجرة النوم. خلعت ملابسي ورقدت إلى جوارها، وعندما حاولت أن ألمس صدرها رفضت، لكنها تركتني أعبث بكل مكان آخر في جسمها، وقالت إنها طوع أمري لو شئت أن أجعل منها امرأة. وكنت مشدودا لكني لم أتمكن منها. كانت رائحتها نفاذة فحولت أنفي بعيدا. أجلستها أمامي وحاولت مرة أخرى لكني لم أكن قويا بما فيه الكفاية، وحاولت من جديد أن أنتهي بأي شكل ففشلت أيضا. وتمددت بجوارها متعبا. قالت إنها لا بد أن تذهب حتى لا يقلق والدها. وقامت إلى الحمام فغسلت وجهها وسوت شعرها. وذهبت أنا إلى حجرة النوم ووقفت أمام المرآة أتأمل نفسي عاريا، كنت ما أزال مشدودا. وعدت إلى الصالة فوجدتها ترتدي ثيابها، ارتديت ثيابي أنا الآخر وغادرنا الشقة، وتركت المفتاح في مكان خفي بأعلى بابها. صحبتها إلى محطة الأوتوبيس وسألتني متى سنلتقي، قلت إني سأتصل بها. وعدت أدراجي مشيا إلى منزل أخي، فاشتريت علبة سجائر من البقال المواجه، وتأملت وجهه الذي يحمل دائما تعبير من يوشك على البكاء، ولم يكن هناك أحد في شقة أخي، فدخلت غرفتي وأغلقت بابها خلفي. خلعت حذائي وتمددت على الفراش بملابسي وأشعلت سيجارة، وتطلعت إلى حقيبتي فوق خزانة الملابس، ثم رأيت الكراسة التي كنت أكتب فيها بالأمس ملقاة على المكتب. قمت وجلست إلى المكتب. قرأت آخر ما كتبته، ثم جذبت أحد الأدراج ووضعت الكراسة به وأغلقته بالمفتاح ووضعت المفتاح في جيبي. رن جرس التليفون فخرجت إلى الصالة ورفعت السماعة. كان أخي يسأل عن زوجته، قلت إني بمفردي في المنزل. طلب مني أن أسأل جيراننا فربما تكون قد تركت
نهاد
تلعب مع أولادهم. وضعت السماعة بجوار الجهاز وغادرت المسكن وطرقت باب الشقة المجاورة. قالوا لي إنهم لم يروا زوجة أخي أو ابنته اليوم. عدت إلى أخي فأبلغته بما قالوه، وأعدت السماعة مكانها فوق الجهاز. دق التليفون مرة أخرى وكانت
إنصاف
هي التي تتحدث هذه المرة، قالت إنها تريد أن تبكي. سألتها: ماذا حدث؟ قالت: لم يحدث شيء. وطلبت مني أن أذهب إليها. أعدت السماعة مكانها وذهبت إلى حجرتي فارتديت حذائي ومعطفي وخرجت. ألفيتها منحرفة المزاج وقد برزت جفونها المنتفخة. قالت إنها لا تعرف ماذا حدث لها، لكنها ضاقت فجأة بكل شيء. وكانت أختها تجلس على مقربة، وهي عجوز جافة لا تخلع السواد أبدا، وتدقق النظر من خلف عوينات قديمة في قماش تحيكه. قالت
إنصاف
إنها تريد أن تذهب إلى السينما، فأخذتها إلى فيلم «هيروشيما حبيبي»، وكانت زوجة
عادل
Bog aan la aqoon
هناك بمفردها. وجلست
إنصاف
بجوارها وجلست أنا خلفهما. وعندما انتهى الفيلم وأضيئت الأنوار وقفت زوجة
عادل
بعينين مغرورقتين وقالت إنها لا بد أن تذهب على الفور وانصرفت. قالت
إنصاف
ونحن في التاكسي الذي حملنا إلى منزلها: كيف يمكن أن ينسى الإنسان أو لا ينسى؟ وأمام باب شقتها دعتني إلى الدخول، فقلت إني لم أذهب بعد إلى الجريدة، ونزلت إلى الشارع. سرت إلى محطة المترو ثم غيرت رأيي واتجهت إلى الشارع الذي يمر به الأوتوبيس. لمحت شابا وفتاة يسيران على مهل وقد أحاطها بذراعه. تابعتهما ببصري، ولمحت التليفون في كشك سجائر قريب، فذهبت إليه واتصلت بمنزل أخي. ردت علي
نهاد
ذات الخمسة أعوام وقالت إن أمها كانت تبحث عني، وجاءت زوجة أخي على التليفون وقالت إنها كانت تريد أن تراني، قلت إني كنت بالمنزل ولم يكن به أحد. قالت إنها ضاقت بالمنزل فجأة فأخذت
نهاد
Bog aan la aqoon
وذهبتا إلى الكازينو المجاور. قلت إني ذاهب إلى الجريدة وربما أكلمها من هناك. صعدت إلى الأوتوبيس ووقفت بجوار فتاة ممتلئة الجسم ، ولم يكن الزحام شديدا . فككت أزرار معطفي، وانتهزت فرصة مرور المحصل فالتصقت بها، ثم ابتعدت وتطلعت حولي. لم يكن أحد ينظر إلي، وكانت هي الأخرى تتطلع حولها دون أن تنظر ناحيتي. وتوقف الأوتوبيس فجأة في إشارة مرور فطوح بنا جميعا، وانتهزتها فرصة لأعاود الالتصاق بها. استدارت هي قليلا حتى أصبح جسمها كله على ساقي، وبقينا هكذا فترة، ثم خلا المقعد المقابل فجلسنا متلاصقين وقد تلامست ركبتانا. وبعد لحظة أبعدت ساقيها في هدوء، وانصرفت إلى تأمل الطريق من النافذة. أشعلت سيجارة وأنا أنظر أمامي في لوح الزجاج المظلم المثبت خلف السائق، ونزلت أمام
الأمريكين . دخلت الحانوت وأكلت قطعتين من الحلوى، ولمحت
سلوى
تشتري صندوقا من الشوكولاتة. مشينا سويا إلى الجريدة، وكان المارة يتمهلون ليحدقوا فيها. كانت بيضاء ممتلئة، جعل الكحل عينيها في سعة الفنجان، وأوشك شعرها الأسود الفاحم أن يغطي إحداهما. وكانت تتابع من ينظرون إليها ببصرها، ورأيتها تتطلع باهتمام إلى شاب مفتول العضلات توقف في منتصف الطريق ينظر إلينا، ثم تأملت بفضول شابا وفتاة يسيران متلاصقين. كانت تكلمني وهي تتابع يد الشاب تمتد لتحيط بكتف الفتاة. وأخذنا المصعد سويا. دعتني إلى الصعود معها إلى مكتبها فقلت إني سأفعل بعد قليل، وغادرتها في الطابق الذي يقع به مكتبي. مررت بغرفة الرسامين وتطلعت داخلها بحثا عن امرأة لا أعرفها ذات عينين سوداوين لامعتين كانت قد ابتسمت لي من يومين فلم أنم ليلة بكاملها. لم أجدها، فولجت الصالة التي يقع مكتبي في نهايتها. جلست بمفردي أمام أربعة مكاتب خالية، وأتاني ضجيج المطبعة من أسفل، وخلفي أدار أحدهم جهاز راديو، وكان
عبد الحليم حافظ
يغني بحماس: مشغول وحياتك مشغول.
الفصل الثالث
أفرغت
كوب البيرة ووقفت، وتناول
رمزي
Bog aan la aqoon
كتابه. وسأل
توفيق : إلى أين؟ قال
رمزي
إننا
وعدنا
كامل
بزيارة معرضه. وتركنا
توفيق
على رصيف المقهى، ومشينا إلى ميدان التحرير. قال
رمزي
Bog aan la aqoon
إنه كف عن الكتابة منذ مدة؛ فلا أحد يريد أن ينشر له شيئا. عبرنا ميدان
التحرير
وانطلقنا فوق الكوبري إلى الجزيرة. لم يكن بصالة العرض أحد غير
كامل
نفسه جالسا أمام دفتر كبير أعد لتدون به ملاحظات الزائرين، وكانت لوحاته تغطي عدة جدران وكلها عن السد العالي، وبعضها كان اسكتشات صغيرة للنيل والآلات وهي تنتزع الصخر من الجبل، ولمبنى محطة الكهرباء الضخم. توقفت أمام لوحة كبيرة لم تكن بها غير خيوط ملونة كخصلة شعر هائلة تقترب من بعضها في أحد الأمكنة وتكاد تتلامس، ثم تتباعد فجأة وهي في حالة تموج وحركة طول الوقت. غادرنا المعرض أخيرا بعد أن كتبنا عدة كلمات في دفتر صاحبه. اتجهنا إلى الكوبري وكان رمزي يتحدث طول الوقت. وتوقفنا أمام أحد الأسدين اللذين يقومان على حراسة طرفي الكوبري. انحنى رمزي ليتأكد من أنه لا يوجد بين ساقي الأسد شيء. وواصلنا السير فوق الكوبري. كانت الشمس قد غابت. وعندما بلغنا الميدان قلت إني متعب وسأعود إلى منزل أخي. قال إن لديه موعدا في وسط البلد. افترقنا وسرت إلى محطة الأوتوبيس وركبت سيارة لم تمتلئ بعد، فاخترت مقعدا بجوار النافذة، ونزلت في محطتي. أخذت علبة سجائر من البقال، ثم اشتريت قطعة شوكولاتة لابنة أخي. عبرت الشارع إلى المنزل، وفتحت لي
نهاد
فأعطيتها الشوكولاتة. قالت إن بابا لم يعد بعد وإن ماما في المطبخ. مضيت إلى غرفتي فأضأت نورها وأقنعت
نهاد
بأن تتركني، ثم أغلقت الباب وجلست أمام المكتب. أخرجت المفتاح من جيبي وفتحت الدرج وأخذت كراستي. أمسكت بالقلم وجلست أتأمل الصفحة البيضاء دون أن أكتب شيئا. فتحت زوجة أخي الباب وقالت إن
إنصاف
Bog aan la aqoon
سألت عني، وإن أخي تكلم الآن وقال إنه سيتأخر، وقالت إنه كلمها ثلاث مرات في الصباح عندما كانت في الشركة. غادرتني لحظة، ثم عادت وقالت إنها تريد أن تخرج، وسألتني إن كنت أحب أن آتي معها. أغلقت كراستي وأعدتها إلى الدرج وأغلقته بالمفتاح. وضعت المفتاح في جيبي، وأطفأت النور. وكانت
نهاد
قد نامت فغادرنا المسكن، ومشينا في الشارع. سألتها أين تحب أن تذهب. قالت: أي مكان ما دمت معك. سرت في اتجاه كازينو
ميريلاند
وقلت: ربما وجدناه مفتوحا ففيه صالة شتوية. مر بنا بائع ياسمين فابتعت حلقة منه قدمتها إليها، فجعلت منها سوارا لمعصمها. وكان المارة يتطلعون إلينا وإلى سوار الياسمين في يدها. قالت: أصبحنا نشبه العشاق. وسألتني: ماذا فعلت مع الفتاة؟ قلت: ذهبت بها إلى منزل أحد أصدقائي ولم يحدث شيء ذو بال، ولم أكن سعيدا. قالت: لماذا؟ قلت: لا أعرف. وجدنا الكازينو مفتوحا وجلسنا في صالة زجاجية بجوار بركة صغيرة. وضعت زوجة أخي يدها أعلى يدي وأشارت إلى البركة. قالت وقد ارتفع حاجباها: انظر إلى البط. سألتها عن سبب الشجار الذي نشب بينها وبين أخي منذ أسبوع. قالت: لا شيء. قلت لها إني أحبها منذ رأيتها لأول مرة، بل قبل أن أراها. قالت: كيف؟ قلت: من خطابات أخي إلي؛ فلم يكن يمل الحديث عنك. ضغطت على يدي. قلت: هيا نقوم. نهضت قائلة: تريد أن تقبلني؟ دفعت الحساب وغادرنا الكازينو. مشينا في الشارع الهادئ. أمسكت يدها في يدي وقربتها مني. سحبت يدها بعد تردد وهي تتطلع حولها. قالت: ربما رآنا أحد. كان هناك شارع مهجور إلى اليسار فاتجهنا إليه. وضعت يدي على كتفها وقربت وجهها مني لكني لم أقبلها؛ فقد ظهرت سيارة كبيرة من سيارات الشرطة. ابتعدت عني، وتابعنا السيارة وهي تمر بنا، وحدق ركابها من الجنود فينا. اختفت السيارة ودرنا عائدين. وقالت: احذر أن تذكر شيئا عنا لأحد. وتطلعت إلى ساقي، ثم قالت إنها سعيدة. قلت: أنا أيضا. تشممت الهواء بشدة وكنت أعرف كيف أميز انتهاء الشتاء ومقبل الربيع من رائحة الهواء. قالت: أريدك أن تفعل بي كل ما تريد. تطلعت في عينيها. كان فيهما شيء يهرب مني، ولم ترقني ابتسامتها، وعندما اقتربنا من المنزل طلبت منها أن تسبقني كي لا يرانا أخي ندخل سويا. وطفت أنا بالشوارع المحيطة بالمنزل عدة مرات، ثم تبعتها. وجدت أخي أمام التليفزيون في الصالة، وكان غاضبا. حييته وذهبت إلى غرفتي، ولمحت غرفة زوجة أخي مضاءة وبابها مغلقا. أغلقت باب حجرتي وخلعت ملابسي، وأطفأت النور. تمددت على الفراش أدخن في الظلام، وكان ضوء الصالة يبدو من زجاج باب الغرفة، وبعد قليل انطفأ، وأنصت لوقع أقدام أخي وهو يدخل غرفته، وساد الظلام الشقة. قمت ففتحت الباب وذهبت إلى المطبخ، وفي الطريق ألقيت نظرة على باب غرفة زوجة أخي فوجدته مغلقا والغرفة مظلمة. شربت كوبا من الماء، ثم عدت إلى حجرتي وتركت الباب مواربا. ظللت مستيقظا طوال الليل، ثم نمت قليلا قبل الفجر. واستيقظت على صوت التليفون. خرجت إلى الصالة ولم يكن هناك أحد بالشقة.
رفعت السماعة فجاءني صوت زوجة أخي، قالت إنها ستغادر الشركة مبكرة وتذهب إلى الكوافير، ثم تأخذ
نهاد
من المدرسة إلى خالتها، وسألتني إذا كنت سأخرج. قلت: لماذا السؤال؟ قالت لنتغدى سويا لأن أخي كلمها الآن وقال إنه سيأكل في الخارج ولن يعود إلا بالليل. قلت إني سأنتظرها وسأدعوها إلى أكلة سمك. قالت: لم تقل لي شيئا اليوم. قلت: أحبك. استحممت وأفطرت وألقيت نظرة على عناوين الصحف، ثم خرجت فاشتريت سمكا مشويا وسجائر وعدت إلى المنزل فأعددت كوبا كبيرا من القهوة، ثم أشعلت سيجارة وتمددت في فراشي. قمت بعد قليل فأعددت المائدة، وصنعت طبقا من سلاطة الطحينة التي أجيدها. ودق جرس الباب أخيرا دقات سريعة متتابعة، فجريت أفتح. قالت بزهو: سمعتك تجري! حاولت أن أقبلها فتخلصت مني، وقالت إنها تشعر بجوع شديد. جلسنا نأكل، ولم نأكل كثيرا، وقمت أغسل يدي. تبعتني، ثم دخلت غرفتي أبحث عن علبة السجائر. جاءت خلفي قائلة: أعطني سيجارة. وجلست على المقعد المجاور لفراشي. أشعلت لها سيجارة وجلست على حافة الفراش أدخن، وكانت ترقب ارتعاش أصابعي. قالت: حدثني عن الفتاة. ثم نظرت إلى ساعتي وقالت: الوقت يمر بسرعة. انتقلت إلى جواري. احتضنتها بساعدي وقبلتها في فمها، وكانت رائحته حلوة، ثم رقدنا فوق الفراش. قالت: هل يمكن أن ينام اثنان متجاورين دون أن يحدث بينهما شيء؟ اعتدلت جالسا، وقامت هي فخلعت بلوزتها وشدت الجونلة إلى أسفل، وظلت بقطعتين داخليتين من الدانتيلا البيضاء. طلبت مني أن أغلق باب الغرفة بالمفتاح ففعلت. وخلعت ملابسي دون أن أعطيها ظهري حتى أصبحت عاريا تماما. كانت قد استلقت على الفراش وجذبت ملاءة فوقها. جلست على حافة الفراش أتحسس وجهها بأصابعي، وقبلت شفتيها وكانتا ناعمتين ساخنتين، وقبلت ذراعيها، وشممت إبطها، وقبلت شعره وكانت رائحته نظيفة. وأردت أن أراها وأقبلها عارية، فتصلبت وقالت إنها لا تحب ذلك. وحانت اللحظة وتولت هي قيادتي. طلبت مني أن آخذ حذري لأنها غير واثقة من مواعيدها. وعندما أحسست أني أفقد السيطرة على نفسي ابتعدت عنها. قمت وأشعلت سيجارة وتحولت هي على جانبها الأيمن، ودلت ذراعها خارج الفراش. جلست بجوارها وداعبت رقبتها بيدي فنحتها في عنف. أشعلت لها سيجارة، ثم تمددت بجوارها. وعدنا من جديد. وعندما أردت أن أبقى على جانبي جذبتني حتى أصبحت فوقها، وبعد لحظة قمت ففتحت باب الغرفة وذهبت إلى الحمام، ودق جرس التليفون فجأة. سمعتها تقفز من الفراش وتنطلق إلى الصالة. مضيت وراءها ووقفت بجوارها. كان أخي هو الذي يتكلم. قالت له إنها أكلت وإني موجود. احتضنتها من الخلف وقبلت ظهرها العاري. سمعت أخي يقول إنه افتقدها طول اليوم. قالت له إنها ستتفق معي ونذهب جميعا إلى السينما. ثم وضعت السماعة وجرت إلى الفراش فتغطت بالملاءة، وقالت إنها تشعر بالبرد. تمددت بجوارها لأدفئها. وترددت على الحمام عدة مرات، وفي إحدى المرات سألتها إن كانت تحبني، فقالت إنها لا تعرف. وفي آخر مرة أحسست أني متعب للغاية، ولم أستطع الحركة. وقالت إن الوقت تأخر ولا بد أن نسرع لنلحق بأخي على باب السينما. وقامت ترتدي ملابسها بينما ظللت ممددا على الفراش، وتأملتها تثبت المشد فوق ثدييها. طلبت مني ألا أنظر إليها. وكان المشد جديدا ناصع البياض. تشممت ساعديها وقالت إن رائحتي تغطيها، وربما شعر بها أخي. قلت إن رائحة الأسرة كلها واحدة. وقالت: لماذا أنت مكتئب؟ قلت: لا شيء. انحنت أمام المرآة تتأمل عينيها وقالت: لو رآني أحد الآن لعرف أني كنت أحب. وقالت في زهو وهي تعد على أصابعها: ست مرات. قلت في صوت ضعيف: أربع فقط. قالت لا، ست. قلت إني أشعر بجوع شديد . قمت فارتديت ملابسي وذهبت إلى المطبخ فأكلت سندويتشا. تبعتني هي بعد لحظة وكانت قد سوت شعرها وصبغت شفتيها، ورفضت أن تأكل. ثم خرجنا وأخذنا تاكسيا إلى السينما. وكان أخي قد دخل وترك لنا تذكرتين عند الباب. ووجدناه غاضبا لأننا تأخرنا. وجلست زوجة أخي بيننا، وكان العرض لفيلم «الزيارة» المأخوذ عن مسرحية
دورينمات . استرخيت في مقعدي، وبعد قليل مدت زوجة أخي يدها ووضعتها في يدي. ضغطت على يدها وأنا أحاول أن أتبين وجه أخي في الظلام، ولمحته يمد يده ويتناول يدها الأخرى، ثم استغرق في متابعة الفيلم. وكان
أنتوني كوين
Bog aan la aqoon