تتساءل بروح راكدة: والمعاش؟ - المعاش! أي معاش يا ملك؟
تمتمت: يبدو الأمر كالاغتيال. - هو اغتيال حقا. - هل لديك فكرة عن المستقبل؟ - ما زلت أفكر وأفكر، يلزمني وقت آخر.
تأججت أشواقي إليها لحد الاشتعال رغم الحزن الثقيل، أم الحزن أمدها بوقود جهنمي؟ حتى الاغتصاب تمنيته ضمن خواطر دموية مجنونة. افترقنا على أسوأ حال من القلق، كيف ومتى أتزوج؟ هذا هو السؤال الملح المطارد القهار، زملائي في الوزارة - جميعهم متزوجون - يعجبون لامتناعي عن الزواج. كثيرون على أتم استعداد لتقديم عرائس. لن يكلفك ذلك مالا يذكر، ولكنكم جيل متمرد يفضل الحرام. أسمع وأتألم وأصمت، يا للعنة! ما قدرت أبدا أن الحياة تدخر لي هذا المأزق. ويوما تدخل أمي حجرتي وتجلس إلى جانبي على الكنبة في جلباب الحداد. نظرت بين قدميها وقالت: أرجو ألا أكون أخطأت يا حليم.
قلت غير متوقع أي خبر: خير؟! - ما باليد حيلة.
ثم مواصلة بعد صمت: أم ملك زارتني صباح اليوم، إنها صديقة عمري، ولها الحق كل الحق في أن تطمئن على ابنتها، اقترحت علي إعلان الخطوبة، سألتني عن المستقبل. قلت لها أنت حبيبتي ولا سر بيننا، وملك ابنتي ولن أجد لحليم خيرا منها جمالا وأدبا وقرابة، ولكن إليك حالنا وما أنت بالغريبة.
وفصلت لها الأمر تفصيلا، ثم قلت: ماذا تكون حالنا لو تخلى عنا؟ - والعمل؟ - العين بصيرة واليد قصيرة. - ألا يمكن أن نعلن الخطوبة إسكاتا لكلام الأهل والناس؟ - المسألة هي متى يستطيع أن يفتح بيتين؟
وقالت لي أمي بأسى: افترقنا، أنا آسفة وهي غاضبة، فهل أخطأت يا ابني؟
وقعت أسيرا للغضب والاقتناع، لا أجد منفذا للهجوم أو العتاب، الحقائق عنيدة كالصخور الصلدة. لا أستطيع أن أقاتل إلا شبحا اسمه سوء الحظ. رغم ذلك حنقت عليها دون وجه حق. يا لها من أيام قرف ونكد! وبادرت بزيارة بيت حبيبتي. في بيت الوجد والورد طالعني الجفاء لأول مرة، ملك متجهمة بلا إشراق ولا دلال، وتصدرت أمها المجلس وهي تتساءل في تهكم مر: هل استأذنت والدتك قبل أن تحضر؟
أخذت وتغيرت فقالت الأم بانفعال: ما كنت أتصور هذا الختام الغادر.
قلت بصوت منهزم: إنها ظروف سيئة كما تعلمين. - الله لا يرضى بأن يضحي شاب مثلك بحياته من أجل سوء حظ غيره، على كل إنسان أن يتحمل نصيبه من الخير والشر، ثم ما ذنب ابنتي؟ - دعيني أشرح لك.
Bog aan la aqoon