فأسأله بدهشة: لماذا؟ - منظره يؤكد ذلك، إنه أوجه أب في شارعنا.
صدقت ذلك بعد مقارنة سريعة بين أبي ويوسف أفندي والد صديقي، وقال علي مواصلا: ومصروفك اليومي يا عم!
مصروف أقراني لا يتجاوز نصف القرش أما مصروفي فقرش كامل. أبي يصحبني معه أحيانا إلى المقهى أو السينما، فأنا ابن عز كما يقول صديقي علي. وعمارتنا - في ذلك الزمان - في طور الشباب وهي أحدث من عمارة علي يوسف وبهاء عثمان والد ملك. يسعدني والله أن أكون ابن عز ومن الأغنياء، وهل في الدنيا ما هو أجمل من الثراء؟ وأقول لأمي: نحن أغنياء؟
فتقول لي بصوت لعله العنصر الوحيد القبيح فيها: لا ينقصنا شيء والحمد لله. - لنا أملاك؟
فتضحك قائلة: لا أملاك لنا. - إذن من أين يجيء ثراء أبي؟ - من ستر ربنا يا ابني.
الظاهر أن الأثرياء لا يطلعون الأبناء على حقيقة ثرائهم قبل سن معينة. حسبي أننا نأكل ما نشتهي، وفي رمضان يمتلئ الكرار بالنقل، وبالكعك في عيد الفطر، ونستضيف فيه الخروف في عيد الأضحى.
أبي غني دون أدنى شك. ومن مزاياه أيضا أنه القارئ الوحيد في أسرتنا، يداوم على قراءة الجريدة اليومية والمجلة الأسبوعية المصورة. وعنه عشقت القراءة، وبعد أن شبعت من مجلة الأولاد طالبته بشراء القصص المترجمة. ها هي عادة جديدة تزف إلى حياتي، أن أعيش حياتين؛ حياة الواقع اليومي بين المدرسة ونقار النساء في الأسرة، وحياة الخيال مع الأبطال من النساء والرجال.
ويسألني أبي: ألا يلهيك ذلك عن المذاكرة؟ - ولكني أنجح يا بابا!
فيقول لي بإغراء: عليك بالشهادة العليا. - هل حصلت عليها يا بابا؟
فيقول ضاحكا: على أيامنا كانت الابتدائية هي العليا، ورغم ذلك حصلت على الكفاءة أيضا، الفرص على أيامكم أكثر، ماذا تريد أن تكون؟ - أريد أن أكون مثلك. - ماذا تعني؟ - أن يكون لي مثل بدلتك ونقودك وأن يكون لي بيت!
Bog aan la aqoon