Hogaamiyeyaasha Kacaanka Casriga ah
رواد النهضة الحديثة
Noocyada
لم يتبع الكواكبي خطة معاصريه في السجع، ولم يتنطع في اللغة ولم يتحذلق؛ فهو مناضل ضد كل استبداد حتى استبداد المقلدين، وقد حدد الاستبداد بقوله:
الاستبداد لغة هو اقتصار المرء على رأي نفسه فيما تنبغي الاستشارة فيه، ويراد بالاستبداد عند إطلاقه استبداد الحكومات خاصة لأنها هي أقوى العوامل التي جعلت الإنسان أشقى ذوي الحياة. وأما تحكم رؤساء بعض الأديان وبعض العائلات، وبعض الأصناف فيوصف بالاستبداد مجازا، أو مع الإضافة.
أما في اصطلاح السياسيين فهو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بلا خوف تبعة، وقد تطرق مزيدات على هذا المعنى فيستعملون في مقام كلمة «استبداد» كلمات استعباد، واعتساف، وتسلط، وتحكم. في مقابلتها كلمات: شرع مصون، وحقوق محترمة، وحس مشترك، وحياة طيبة، ويستعملون في مقام صفة «مستبد» كلمات: حاكم بأمره، وحاكم مطلق، وظالم، وجبار. وفي مقابلة حكومة مستبدة كلمات: عادلة، ومسئولة، ومقيدة، ودستورية ...
هذا تعريف الاستبداد بأسلوب ذكر المترادفات والمقابلات، وأما تعريفه بالوصف، فهو أن الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في شئون الرعية كما تشاء، بلا خشية حساب، ولا عقاب محققين.
إلى أن يقول وهو يريد السلطان عبد الحميد - وإن قال في التمهيد إنه «غير قاصد بها - أي مقالاته - ظالما بعينه، ولا حكومة مخصصة»:
المستبد يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدي، فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس؛ ليسدها عن النطق بالحق.
ثم يقول:
المستبد إنسان والإنسان أكثر ما يألف الغنم والكلاب، فالمستبد يود أن تكون رعيته كالغنم درا وطاعة، وكالكلاب تذللا وتملقا. وعلى الرعية أن تكون كالخيل إن خدمت خدمت، وإن ضربت شرست، بل عليها أن تعرف مقامها هل خلقت خادمة للمستبد، أم هي جاءت به ليخدمها فاستخدمها؟ والرعية العاقلة تقيد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها؛ لتأمن من بطشه. فإن شمخ هزت به الزمام، وإن صال ربطته. وفي هذا المقدار كفاية لمعرفة ما هو الاستبداد بالإجمال والمباحث الآتية كافلة بالتفصيل.
ثم يتكلم عن مرتع الاستبداد، فيقول أجمل قول: «العوام هم قوت المستبد وقوته بهم؛ عليهم يصول، وبهم على غيرهم يطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقاء الحياة، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته. وإذا أسرف بأموالهم يقولون عنه إنه كريم، وإذا قتل ولم يمثل يعتبرونه رحيما، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التأديب، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلوهم كأنهم بغاة.»
والحاصل أن العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل، فإذا ارتفع الجهل زال الخوف وانقلب الوضع؛ أي انقلب المستبد رغم طبعه إلى وكيل أمين يهاب الحساب، ورئيس يخشى عادل الحساب، وأب حليم يتلذذ بالتحاب.
Bog aan la aqoon