إذا وقع نظرك على سيارة تقل رجلا كأنه من أصلاب المردة، على جسده قفطان، وفي وجهه شعور جزها المقص فأبقى منها في مغرسها آثارا خفيفة كسيقان السنابل التي يبقيها المنجل بعد الحصاد؛ فقل هذا الشيخ «محمد الجسر».
عرف الشيخ «محمد» أن يتسلل إلى مداخل السياسيين في هذا البلد، وأن يستل منهم ذاتيتهم من غير أن يدع أحدا يستل ذاتيته منه، وهذا لعمري ضرب من السياسة الرشيدة المقرونة إلى كثير من الحكمة.
ولقد عرف أخلاق الفرنسيين المسودين، وهو رجل تقلبت أعطافه في مختلف الوظائف، وعرف أن الوقوف في وجه القادر ضرب من الجهل، فوسط حكمته وتعقله بينه وبين الانتداب، ولو كان الشيخ «محمد الجسر» مبسوط العلم - بلغة «راسين» - مع ما هو عليه من النضوج في الفكر والدهاء في السياسة؛ لكان في هذا البلد علما لا يخفق في مستواه علم.
أوغست أديب
طلعة يتقاسمها البأس والإرادة، وتستنشق التشبث من الجبين العنيد إلى الذقن الصلبة.
جمجمة تاجر من تجار اليهود ضنين بذهبه حريص على كنوزه، تعلوها من الشعر موجتان خفيفتان مستبقيتان من الشقرة في بياضهما ظلا ضئيلا، ترى الأولى في مد والأخرى في جزر.
جبين لم يعرف الخيال، أو أنه طرد الخيال ليحل المادة، فهو سرادق مقوس، أوتاده الحساب، وأثاثه المداولات المالية.
حاجبان منبطحان، منفرجان، يعبس بينهما غضن مربد، ينتشران على وقبين نافرين، تجثم في قعريهما مقلتان مكفهرتان كأنهما ضبعان كامنتان في كهفين ملاصقين، إذا أمعنت النظر فيهما تخالهما يتهددانك فيقولان: سأريك ماذا أصنع بك!
خدان ناعمان، منكمشان كأنهما خدا راهبة عجوز، ينخفضان في سفح الأنف ليفسحا ميدانا واسعا لشاربين لم يبق منهما إلا بعض شعرات مستطيلة لا يقدر الهواء أن يعبث بصلابتها، فكأنها - على دقتها - استمدت الصلابة من رأسه الحسابي؛ وفم رقيق الشفتين، ممتدهما، تأثر بالمقلتين فسار معهما في حلبة واحدة.
ذاك هو رأس «أوغست باشا أديب».
Bog aan la aqoon