Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Noocyada
قيام الدولة الساسانية
وكان نظام الحكم في الدولة الفرتية إقطاعيا في أسسه يرتكز على زعامة بعض الأسر وعلى عبودية الشعب، وكان بين هذه الأسر بنو دارياف أو أرتخشطر الذين حكموا مقاطعة فارس من إصطخر،
2
وكانوا محافظين، مستمسكين بتقاليد فارس القديمة، مؤثرين لغتها واللغة الآرامية على اليونانية - كما يستدل على ذلك من نقودهم - وفي السنة 212 بعد الميلاد قام بابهاغ، أحد أشراف هذه المقاطعة، بثورة محلية أوصلته إلى الحكم فيها، وقام ابنه أردشير في السنة 224 بعد الميلاد بثورة كبرى، وواقع أرتبان الخامس آخر ملوك الفرت في الثامن والعشرين من نيسان من تلك السنة نفسها في هورميزداغان، فتغلب عليه ودخل طيسفون عاصمة ملكه منتصرا، ولم يمض وقت طويل حتى دانت له مقاطعات الفرت جميعها: ميدية وسيستانة وخراسان ومرجيانة وأرية. واعترف بسيادته الكوشان في أفغانستان والبونجاب، فأسس بذلك الدولة الساسانية نسبة إلى ساسان أحد الأجداد واتخذ لنفسه لقب شاهنشاه، وتعريبه ملك الملوك، وكان يدعى بالآرامية ملكان ملكه، ولا تزال النقوش القائمة بالقرب من إصطخر، كنقش رجب ونقش رستم، تظهر لنا أردشير المؤسس يتسلم سلطته من أكبر الآلهة أهورا مزدة، ولا نزال نقرأ على نقوده الباقية هذه العبارة: «خادم مزدة.»
وهكذا تميزت الدولة الساسانية الجديدة منذ بداية عهدها بتمسكها بالدين القومي وتعاونها مع رجاله، والدين القومي هذا هو دين مزدة أو زورواستر «زرادشت» قال بنزاع دائم بني الخير والشر، وبوجود فئة من الكائنات الصالحة تقاومها فئة أخرى من الكائنات الشريرة؛ لتفسد عليها عملها. ومثل الخير في هذا الدين شخص إلهي مزدة أو أهرومزدة ومعناه: رب الحكمة، وكان يحيط به ملائكة أعظمهم النور مثراس. ومثل الشر فيه أهريمان الشيطان، وكان على كل إنسان أن يختار أحد أمرين: إما أن يملأ نفسه من الصلاح والنور، أو أن يقيم في الشر والظلام، وأي الأمرين اختار فقد كان لا بد له من دينونة في المستقبل، وزورواستر مؤسس هذا الدين عاش حوالي السنة ألف قبل الميلاد وطاف يبشر الشعب الإيراني بديانته أعواما عدة، وحافظ على احترام النار الآرية كرمز محسوس للصلاح والنور، وأوصى بالمحافظة على إيقادها بحيث لا تنطفئ.
وانتظمت أمور كهنة مزدة في عهد الدولة الساسانية، فكان بينهم الكاهن العادي «ألموغان»، وكان على عدد من هؤلاء في كل مقاطعة رئيس دعي «موباذ»، وكان على كل هؤلاء - بدورهم - رئيس أعلى أطلق عليه لقب «موباذان موباذ»، وكان بين أعمال أردشير الأول مؤسس الدولة أن نقح كتاب الحكمة الإلهية «الفيستة» (الزند)، وجمع ابنه وخلفه شابور الأول مجمعا دينيا نقح الشرائع الدينية وأقرها، وأوجب العمل بها، وكان القول المأثور بين رجال الفرس آنئذ: إن الدولة والكنيسة شقيقتان لا تنفصلان، فلا دولة بدون كنيسة ولا كنيسة بدون دولة. وأصبح واجبا لازما على الشاه أن يتسلم تاجه من يد زميله الكبير رئيس كنيسة الدولة الموباذان مباذ.
وعظمت شوكة الشاه الساساني ففاقت سلطة زميله الأرساسي، وبقي النظام الإقطاعي سائدا في البلاد، وبقي النفوذ الأعلى في يد سبع عائلات إقطاعية من الأشراف كما كان الأمر في عهد الأرساسيين، ولكن هذا النفوذ وذاك الإقطاع أصبحا خاضعين خضوعا تاما لمشيئة الشاه، وضبطت إدارة الولايات وأصبح حكامها المرازبة خاضعين لتفتيش متصل من قبل الحكومة المركزية، وكان يجب على الشاه الساساني الإيراني النزعة؛ أن يحكم بلاده من إصطخر المدينة الإيرانية، ولكن علاقاته السياسية قضت عليه باتخاذ نقطة أقرب إلى حدوده الغربية، فعاد إلى طيسفون العاصمة الأرساسية، وجعلها مقرا له وقاعدة لحكمه.
وادعى أردشير مؤسس الدولة أنه متحدر من هكافيش صدر الأسرة المالكة الأولى وجد قورش الأول، وزعم أن له حقا في حكم جميع آسية الغربية ومصر؛ لأنها خضعت جميعها لقورش وخلفائه، ولا نزال نقرأ - حتى ساعتنا هذه - في الكارنامه البهلوية والشاهنامه الفردوسية؛ أن الساسانيين أحفاد لداريوس، فلا غرو إذا رأينا هؤلاء يحاربون رومة وريثة الإسكندر وخلفاءه ليسترجعوا ما اغتصب منهم اغتصابا.
وعني الساسانيون بالخيل عناية فائقة جاءت في طبيعة الأمور؛ لأن أواسط آسية موطن الخيل وبلاد الدروع والنصال، وأصبح جيشهم جيش خيالة في قلبه وجناحيه، ولم يدربوا المشاة ولا نظموهم ولا سلحوهم بأكثر من ترس من الجلد. وكان تكتيكهم - في غالب الأحيان - يقوم على حشد خيالة القلب حشدا متراصا بقوة، وعلى دفع هذا الحشد في هجوم متراص خاطف، غايته غمر مراكز العدو منذ اللحظة الأولى، وكانوا يحتاطون دائما بحفظ قوة من الفيلة في ساقة الجيش يدفعون بها إلى نقاط معينة في الجبهة عند الحاجة.
وكان الفارس الساساني يرتدي درعا من الحديد أو البرونز تغطي جسمه بكامله، ويلبس حصانه مثل هذه الدرع (التجافيف)، أما تركيب هذه الدروع فمن قطع مستطيلة من الفولاذ أو البرونز طول الواحدة منها عشرون سنتيمترا وعرضها خمسة، ويعلو هذه الدروع عند العنق زيق من الحديد أو البرونز يغطي العنق والرأس، ثم تعلو هذه كلها خوذة من الحديد مزينة بأوشحة من الحرير الملون. وكان الفارس الساساني يستعين بقناة طولها متران وسيف طويل وقوس ونشاب وفأس فولاذية، يعلقها في طرف خوذته إلى وراء.
Bog aan la aqoon