164

Rum

الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب

Noocyada

وفي أثناء غياب قسطنطين الثالث في إيطالية وصقلية كان ابنه قسطنطين الرابع يسوس الملك وهو بعد فتى، فلما علم بقتل والده ونشوب الثورة في صقلية نهض إليها فأخذ بالثأر وعاد والشعر قد نبت في وجهه، فلقب بالألحى

.

ولما كانت الغاية التي من أجلها صدر الإينيتكون «كتاب الاتحاد» في عهد زينون (474-491) وتبعته الفصول الثلاثة في عهد يوستنيانوس (527-565)، ثم صدر الإكثيسيس في عهد هرقل (610-641)، والتيبوس في عهد قسطنطين الثالث (641-668)؛ لما كانت الغاية من هذه النشرات كلها قد زالت بدخول الولايات السورية والمصرية والأرمنية في حكم العرب المسلمين، ولم يبق ثمة موجب سياسي للتساهل في أمر العقيدة؛ فإن قسطنطين الرابع أخذ يسعى لاستمالة أساطين الكنيسة الأم الكاثوليكة الأرثوذكسية، فمنح - بادئ ذي بدء - بابا رومة سلطة على متروبوليت رابينة، وعزل في السنة 678 البطريرك ثيودوروس عن عرش كنيسة القسطنطينية وأقام جاورجيوس بطريركا محله، وأعلن عزمه على عقد مجمع لملافاة الانشقاق، وكتب إلى بابا رومة وإلى سائر الأساقفة يدعوهم إليه، فلما تلقى البابا أغاثون كتاب الفسيلفس عقد مجمعا محليا سنة 679 أيد فيه قرار البابا مرتينوس وانتخب القسين ثيودوروس وجاورجيوس والشماس يوحنا نوابا عنه، وأرسلهم إلى القسطنطينية حاملين الوثائق اللازمة.

المجمع المسكوني السادس

وفي السنة 680 عقد في القسطنطينية المجمع المسكوني السادس، وكان موضع انعقاده قاعة البلاط المقدس، وهي القاعة التي تدعى اطرولوس

Trollus ؛ أي قاعة القبة، واشترك في أعمال المجمع 170 أسقفا في طليعتهم البطريرك القسطنطيني جاورجيوس، والمتروبوليت إسطفانوس رئيس أساقفة هرقلية، والمتروبوليت يوحنا رئيس أساقفة آثينة، وثلاثتهم من علماء عصرهم المشاهير، وجلس الفسيلفس في صدر المجمع يحيط به مجلس قضاة الدولة، وإلى يمينه البطريرك القسطنطيني جاورجيوس، فالبطريرك الأنطاكي مكاريوس، فنائب بطريرك الإسكندرية، وإلى يساره نواب بابا رومة فنائب بطريرك المدينة المقدسة، ووضع الإنجيل المقدس في الوسط، وقام نواب البابا قالوا: «إننا بحسب المرسوم الصادر عن دولتكم التي أقامها الله إلى بابانا الجزيل القداسة؛ قد جئنا من قبل البابا، ومعنا منه معروض ومعروض آخر مجمعي من الأساقفة الخاضعين له، وقد سلمنا المعروضين إلى دولتكم ذات المقام السامي.»

ثم شكوا الهرطقة ومخترعيها والبطاركة سرجيوس وبيروس وبطرس وكيروس وغيرهم وقالوا: «نناشد رجال كنيسة القسطنطينية الجزيلة القداسة ونسألهم متى وأين وجد هذا التعليم الجديد؟» فأجابهم مكاريوس بطريرك أنطاكية نصير القول بالمشيئة الواحدة: «إنه موجود في مجامع أشهر الآباء وبطاركة القسطنطينية.» فطلب الفسيلفس البينة فأحضرت أعمال المجامع وقرئت في الجلسات الخمس التالية، فوجدت رسالة مزورة عن لسان البطريرك ميناس إلى البابا فيجيليوس استند إليها مكاريوس، فقاومه نواب رومة، فثبت فسادها وفساد عبارات كثيرة نسبت إلى الآباء مبتورة محرفة، وفي الجلسات السابعة تقدم الرومانيون ببيناتهم، وفي الثامنة اعترف بصحة هذه البينات جاورجيوس بطريرك القسطنطينية، ثم طلب إلى مكاريوس البطريرك الأنطاكي وأساقفته أن يوافقوا، فوافق الأساقفة ولكن مكاريوس اعترف بمشيئتين وأنكر الفعلين «مفضلا الموت مقطعا أو غريقا على الموافقة.» فقطع من درجته في الجلسة التاسعة ونفي، وفي الثالثة عشرة حكم بالحرم على سرجيوس وبيروس وبطرس وبولس بطاركة القسطنطينية وعلى كيروس بطريرك الإسكندرية وعلى أونوريوس بابا رومة، وفي السابعة عشرة صدق على أعمال المجامع المسكونية السابقة، وفي الثامنة عشرة في 16 أيلول سنة 681 تليت شهادة أقرها المجمع: «بمسيح وابن ورب ووحيد واحد هو نفسه بطبيعتين وأقنوم وشخص واحد وبمشيئتين وطبيعتين وفعلين طبيعيين بلا انقسام ولا تغيير ولا تجزؤ ولا اختلاط.»

7

قسطنطين والعرب

وكانت الاضطرابات الداخلية التي نجمت في الدولة العربية الإسلامية عن مقتل عثمان بن عفان قد انتهت، فاستتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان (661-680)، ومعنى هذا - في رأينا - أن الأمر استتب لتجار قريش، أولئك الذين قدروا عظمة التجارة التي كانت تربط حوض المتوسط بالشرق الأقصى، فكان - بالتالي - طبيعيا أن يدركوا مبلغ الخسارة التي حلت باللبنانيين والسوريين والمصريين من جراء ما سبب لهم الفتح العربي من انقطاع عن أسواقهم في آسية الصغرى والبلقان واليونان وإيطالية وفرنسة وإسبانية وألمانية وبريطانية، وهكذا لم يروا بدا من متابعة الحرب ضد الروم ودفعها إلى نتيجة حاسمة.

Bog aan la aqoon