نواحي الهدى وهذا الأساس أو القاعدة التي أرساها الشيخ تنبع من منظور عقلي جرت عليه المدرسة العقلية.
ثم أخذ يستدل على هذا التأصيل بما ورد عن النبي ﷺ وعن صحابته الكرام رضوان الله عليهم، وعن فقهاء الإسلام، من التفاسير التي ليست هي المعنى الأسبق من التركيب، ولكنها محمولة على أن الرسول ﷺ أراد بذلك إيقاظ الأذهان إلى أخذ أقصى المعاني من ألفاظ القرآن، ومثال ذلك ما رواه أبو سعيد بن المعلى قال: (دعاني رسول الله ﷺ وأنا في الصلاة فلم أجبه، فلما فرغت أقبلت إليه فقال: ما منعك أن تجيبني؟ فقلت: يا رسول الله! كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ﴾ (١) فلا شك أن المعنى المسوقة فيه الآية هو الاستجابة بمعنى الامتثال، غير أن لفظ الاستجابة لما كان صالحًا للحمل على المعنى الحقيقي أيضًا وهو إجابة النداء حمل النبي ﷺ الآية على ذلك المقام الصالح له، وعلم الصحابة والتابعون أن ذلك مما يسوغ في ألفاظ القرآن الجزلة، المحتملة للمعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة (٢).
ومن هنا نتبين موقف ابن عاشور من التفسير بالرأي وأنه قد فتح المجال الواسع لبيان معاني القرآن ومدلولات ألفاظه وتراكيبه.