Ruuxa Kacaanada iyo Kacaanka Faransiiska
روح الثورات والثورة الفرنسية
Noocyada
ولم يكن شأن فوكيه تنفيل في الأوقات العادية أكبر من شأن قاض هادئ مجهول أمره، فمن حسنات المجتمع المنظم تقييده لأمثاله الذين لا يردعهم سوى الزواجر الاجتماعية.
قطع رأس فوكيه تنفيل وهو لا يعلم علة عقابه؛ لأنه لم يكن ما يسوغه من الوجهة الثورية، وهل فعل سوى تنفيذ أوامر رؤسائه بنشاط؟ لا يجوز تشبيهه بأولئك النواب الذين أرسلوا إلى الولايات ولم تكن مراقبتهم في الإمكان، فقد فحص مفوضو مجلس العهد جميع أعماله واستصوبوها حتى اليوم الأخير، ولو لم يشجعه رؤساؤه على قسوته وعلى طريقته السريعة في الحكم على السجناء ما استمرت سلطته، وبقضاء مجلس العهد على فوكيه تنفيل قضى على دوره الرهيب.
وبجانب فوكيه تنفيل نذكر دوما الذي أظهر قسوة عظيمة كانت تصدر عن خوفه الشديد، فقد كان دوما لا يخرج إلا مسلحا، وكان يمتنع عن مواجهة الناس، ولا يكلم الزائرين إلا من كوة، وكان يسيء الظن بالناس، ومنهم زوجته التي دفعه سوء ظنه بها إلى سجنها ثم إلى قتلها.
ومن الذين ظهروا في دور العهد واشتهروا بهمجيتهم نذكر بيوفارين الذي هو عنوان الوحشية الحيوانية. «فقد كان يظل في ساعات الغضب والضيق هادئا قائما بعمله الرهيب، وكان يحضر رسميا مذابح سجن الأبيئي ويهنئ الجزارين، ويجزل لهم الأجر، ثم يدخل بيته كأنه راجع من النزهة، وكان - وهو رئيس النادي اليعقوبي ورئيس مجلس العهد وعضو في لجنة السلام العامة - يجر الجيرونديين والملكة وسيده السابق دانتون إلى المقصلة، وقد استصوب ضرب مدينة ليون بالمدافع وإغراق مدينة نانت، وهو الذي رتب لجنة أورانج الظالمة، وكان يحرض فوكيه تنفيل على أعماله، وكثيرا ما كان يجيء اسمه على رأس مراسيم أحكام الموت التي كان يمضيها قبل زملائه غير راحم أو متأثر أو هائج، وكان يسير في طريقه عندما كان هؤلاء يترددون أو يتمهلون متفوها بكلمات ضخمة هازا ذؤابته كالأسد، ولما أحدق الخطر بروبسپير وسان جوست وكوتون تركهم وانضم إلى الحزب المعارض ليضرب رقابهم، ولكن لماذا؟ إن المرء ليحار في الجواب، وهو الذي لم يطمع بشيء ولم يبتغ مالا ولا سلطانا».
أظن أن الجواب ليس صعبا، فالعطش إلى القتل عند بعض المجرمين يوضح لنا سر سلوك بيوفارين، وأكثر المجرمين يقترفون القتل للقتل نفسه، وهم، كالصيادين، يصمون الصيد قضاء لما في نفوسهم من شهوة الإتلاف الغريزية، والخوف من الشرطي والمقصلة يردعهم، وهم المفطورون على تلك الغرائز السفاكة، عن اقتراف الجرائم في الأزمنة العادية، ولكنهم عندما يحل الوقت الذي يطلقون فيه أعنتهم يتأخرون عن الإجرام.
وأما نفسية مارا فأكثر غموضا، لا لأنه كان فيه - عدا ميله إلى القتل - عوامل أخرى كعزة نفسه المكلومة وطمعه وعقائده إلخ؛ بل لأنه كان ولوعا بالمراتب السنية ولعا بلغ حد الجنون، وكان متعصبا لبعض المبادئ تعصبا جاوز حد الجمود.
كان مارا ذا مزاعم علمية في الدور السابق، وكان يحلم فيه بالمناصب والمعالي، ولكن لم يعر أحد ترهاته أذنا صاغية، ولم ينل سوى وظيفة حقيرة عند أحد الأمراء الإقطاعيين، فلما اشتعلت الثورة الفرنسية أراد الانتقام من المجتمع السابق الذي كان يجحد فضائله فأصبح على رأس أشد الطغاة، وقد أنشأ - بعد أن مجد مذابح سپتمبر جهرا - جريدة وشى فيها بأناس كثيرين طالبا قتلهم، وهو، لو لم تقتله شارلوت كورداي بخنجرها، ما تفلت من ساطور المقصلة حتما. (5) مصير رجال العهد الذين ظلوا أحياء بعد انتهاء الثورة الفرنسية
وجد بجانب رجال العهد الذين كانت لهم نفسية خاصة رجال آخرون، كباراس وفوشيه وتاليان وميرلان دوتيونفيل، لم يكونوا من ذوي المعتقدات أو المبادئ، ولم يبالوا بغير الإثراء.
استطاع هؤلاء أن يستفيدوا من البؤس العام فجمعوا أموالا عظيمة، ولو فعلوا ذلك في الأزمنة العادية، لا في أيام الثورة التي لا يفرق فيها بين الفضيلة والرذيلة، لعدوا من اللصوص المجرمين، نعم، ظل القليل من اليعاقبة متعصبا لمذهبه، وأما أكثرهم فقد تركوه بعد أن اغتنوا وأصبحوا من بطانة ناپليون، ونذكر منهم كنباسيرس الذي كان يلقب لويس السادس عشر، وهو في السجن، ب (لويس كابي) فصار يطلب أيام ناپليون من جلسائه أن يلقبوه ب (صاحب السمو) وأن يخاطبوه ب (سيدنا)، وأمر مثل هذا يدلنا على مقدار الحسد الذي كان ينطوي تحت ميل كثير من اليعاقبة إلى المساواة، قال مسيو مادلن:
اغتنى أكثر اليعاقبة (مثل شابو وبازير ومرلن وباراس وبورسول وتاليان وبارير)، فصاروا أصحاب قصور وأطيان، ومن لم يغتن منهم في البداءة أثرى في النهاية، وقد وجد في لجنة السنة الثالثة وحدها رجال أصبح أحدهم في المستقبل أميرا، وصار ثلاثة عشر رجلا منهم من الكونتات، وخمسة رجال منهم من البارونات وسبعة رجال منهم أعضاء في مجلس الشيوخ الإمبراطوري وستة رجال منهم أعضاء في مجلس الشورى، ونعد بجانبهم خمسين ديموقراطيا كانوا أعضاء في مجلس العهد فصاروا في أقل من خمس عشرة سنة أرباب مخازن وعربات وأوقاف وفنادق وقصور، ومن هؤلاء الخمسين نذكر الدوك أورتان والكونت روينول، ولما مات فوشه كان ميراثه خمسة عشر مليونا.
Bog aan la aqoon