Ruuxa Kacaanada iyo Kacaanka Faransiiska
روح الثورات والثورة الفرنسية
Noocyada
نعم، يجوز اعتبار الثورة الفرنسية حادثا ضروريا من بعض الوجوه، ولكنها كانت - على الخصوص - صراعا بين الخياليين وسنن الاقتصاد والاجتماع والسياسة المسيرة للبشر، فلما جهل هؤلاء الخياليون تلك السنن حاولوا عبثا أن يتغلبوا على سير الأمور، ولما حبطت محاولتهم اضطهدوا الناس وأمروا متوعدين - ولكن على غير جدوى - أن يكون للورق النقدي الساقط قيمة الذهب، ثم سنوا قانون القصاص الذي زاد الجرائم.
على أن رجال الثورة الفرنسية اكتشفوا في نهاية الأمر، بعد أن كسروا الزواجر، أن المجتمع لا يعيش بغير الزواجر، وهم حينما أرادوا صنع زواجر جديدة رأوا أن أقوى ما يبتدعونه - حتى المقصلة - لا يقوم مقام الأخلاق التي غذى الماضي بها النفوس شيئا فشيئا.
إذا لم تنشأ حوادث الثورة عن سنن ثابتة، بل كانت نتيجة مبادئ اليعاقبة ، وقد أمكن أن تكون شيئا آخر، فلا يكون سير الثورة الفرنسية غير ما وقع لو دعا لويس السادس عشر بالحكمة والموعظة الحسنة، أو لو كان المجلس التأسيسي أقل جبنا مما كان عليه إزاء فتن الرعاع.
فيجب إظهار الشك في فعل الأقدار سواء أفي المباحث التاريخية أم في المباحث العلمية، فقد توصل العلم بالتدريج إلى تبديد كثير من أقدار الطبيعة، ولا يفعل عظماء الرجال سوى ذلك التبديد، كما أشرت إليه في كتاب آخر. (3) شكوك المؤرخين في تأثير الثورة الفرنسية
ظهر المؤرخون الذين أشرنا إلى أفكارهم في هذا الفصل بمظهر الجازم البات لحصر أنفسهم في دائرة المعتقد وعدم نفوذهم دائرة العلم والمعرفة، فالكاتب الملكي منهم شديد الحقد على الثورة الفرنسية، والمتمذهب بمذهب الحرية كثير التشيع لها، واليوم نشاهد سعيا إلى درس الثورة الفرنسية كإحدى الحوادث العلمية التي لا يكون لآراء المؤلف الخاصة ومعتقداته الشخصية في درسها سوى تأثير قليل لا يشعر به القارئ.
لم يأت هذا الزمن بعد، ولم نر سوى طلوع فجر الشك الذي يتقدم ذلك، فقد أخذ كثير من الكتاب يجتنبون إبداء آراء قاطعة في مؤلفاتهم.
سئل مسيو هانوتو - بعد أن أثنى على الثورة الفرنسية - عن نتائجها بالنسبة إلى ثمنها الغالي فقال: «سيتردد التاريخ كثيرا قبل أن يحكم في ذلك»، وأبدى مسيو مادلن في كتابه الذي بحث فيه عن الثورة الفرنسية ترددا مثل ذلك، فقال: «لا أستطيع إعطاء حكم قاطع في حادثة معقدة كالثورة الفرنسية، فأرى أن عللها وأعمالها ونتائجها أمور تقتضي بحثا كبيرا».
ويظهر أيضا نشوء الآراء في الثورة الفرنسية من مطالعة ما كتبه في الوقت الحاضر حماتها الرسميون، فبعد أن كانوا يقولون إن ما حدث فيها من المظالم كان للدفاع أخذوا يدافعون عنها طالبين أحكاما مخففة عليها، جاء في كتاب تاريخ فرنسة الذي ألفه أولار ودوبيدور حديثا ليدرس في المدارس: «نعم انهمرت الدماء في الثورة الفرنسية واقترفت فيها مظالم وجرائم منكرة غير نافعة للدفاع الوطني، ولكن النفوس استولهت في هذه الزوبعة، فكان رجال الوطنية الذين حفت بهم الأخطار يقتلون الناس والسخط آخذ منهم كل مأخذ».
وأما الأجانب فأحكامهم على الثورة الفرنسية شديدة، ولا عجب، فقد أذاقت أوربة - ولا سيما ألمانيا - أنواع المحن، قال مسيو فاغيه يخبرنا برأي الألمان: «لنقل رابطو الجأش وطنيون، ومن شروط الوطنية أن يبلغ الإنسان أمته حقيقة الأمر، إن ألمانية عدت فرنسة في الماضي أمة اضطهدتها وازدرتها وأثخنت فيها ونهبتها مدة خمس عشرة سنة باسم الحرية والإخاء، وهي تعتبر فرنسة في الوقت الحاضر أمة تقيم بحجة هاتين الكلمتين ديموقراطية مستبدة ظالمة مزعجة مخربة غير صالحة ليقتدي بها أحد، هذا كل ما تنظر به ألمانية إلى فرنسة وهذا كل ما تشير إليه جرائدها وكتبها».
وسوف يعد كتاب المستقبل الثورة الفرنسية حادثا مؤثرا ذا عبر مهما كانت قيمة الأحكام عليها، فحكومة أدى حبها لسفك الدماء إلى قطع رؤوس شيوخ جاوزوا حد الثمانين ورؤوس كثير من الأطفال والفتيات، وحكومة مع تخريبها فرنسة قدرت على دفع غارة أوربة المدججة بالسلاح، وأميرة من بيت الملك في النمسة قطع رأسها بعد أن كانت ملكة فرنسة، وأميرة من أقربائها قامت في مكانها بعد أن تزوجت إمبراطورا كان ضابطا، كلها أمور لم يرو التاريخ مثلها، ولعلماء النفس في تلك القصة التي لم يقتلوها تمحيصا فوائد كثيرة، فبها يكتشفون أن علم النفس لا يتقدم إلا إذا عدلوا عن النظريات الوهمية، وأخذوا يبحثون في الحوادث بحثا حقيقيا. (4) إنصاف المؤرخين
Bog aan la aqoon