Ruuxa Kacaanada iyo Kacaanka Faransiiska
روح الثورات والثورة الفرنسية
Noocyada
ولا مفر للأمم التي تلائم تقلب البيئة بالتدريج من الوقوع في الثورات، فلم ينجح الإنكليز، سنة 1688، في ختم النزاع الذي استمر قرنا بين العرش الذي كان يرغب أن يكون مطلقا وبين الشعب الذي كان يسعى أن يكون محكوما من نوابه إلا بالثورة، وخاصة الأمة، لا عامتها، هم الذين يبدأون بالثورات في الغالب، ولكن الثورات تستمد قوتها من الشعب عندما يهيج، وقد لا تتم الثورات إلا إذا دعمها فريق كبير من الجيش، فلم تأفل الملكية في فرنسة يوم قطع رأس لويس السادس عشر، بل يوم امتنع جنده عن الدفاع عنه.
وقد تزول المحبة بالعدوى النفسية من الجيوش التي لا تكترث لسير الأمور إلا قليلا، فعندما استطاع بضعة ضباط أن يقلبوا الحكومة التركية فكر ضباط اليونان في تقليدهم بتغيير الحكومة، مع أنه لم يكن شبه بين النظامين.
وقد يمكن تغيير الحكومة بحركة عسكرية، وذلك كما يقع في الجمهوريات الإسبانية، ولكن مثل هذه الثورات لا تكون ذات نتائج مهمة إلا إذا صدرت عن استياء عام وآمال كبيرة، والاستياء، إذا لم يكن عاما شديدا، لم يكف لإحداث الثورات المجدية، فمن الأمور السهلة أن تحرض شرذمة من الناس على النهب والهدم والقتل، ولكنه يجب لتحريك الأمة كلها أو معظمها أن يبالغ الزعماء في تجسيم الاستياء وأن يحملوا الساخطين على اتهام الحكومة بأنها سبب الحوادث السيئة، ولا سيما الفاقة والغلاء، وأن يجعلوا الجمهور يعتقد أن عصر السعادة سينبثق على الناس من النظام الجديد الذي يقترحونه، فمتى تأصلت هذه الأمور في النفوس وانتشرت بالتلقين والعدوى قرب الوقت الذي تنضج فيه الثورة.
فعلى هذا الوجه نشأت الثورة المسيحية والثورة الفرنسية، وإذا كانت الأخيرة قد وقعت في سنين قليلة ، وتطلب وقوع الأولى كثيرا من السنين، فلأن الثورة الفرنسية لم تلبث أن دعمها الجيش مع أن الثورة المسيحية لم تنل قوة مادية إلا بعد انقضاء زمن طويل، فالأصاغر والسفلة والعبدان هم الذين كانوا أنصار المسيحية في البداءة، ومنهم سرت عدواها إلى الخاصة، ولما كمل انتشارها بين هؤلاء أيضا رأى أحد الأباطرة اتخاذها دينا رسميا للدولة، وهذا كله لم يتم إلا في وقت طويل. (4) نتائج الثورات السياسية
بعدما يتم النصر لحزب ينظم هذا الحزب المجتمع كما تقتضيه مصالحه، فيسن القوانين، ويضع الأنظمة على حسب منافعه ومنافع الطبقات التي ساعدته على الغلبة، كطبقة الإكليروس مثلا، وإذا تم النصر للغالبين بعد مصارعات عنيفة، كما وقع أيام الثورة الفرنسية، فإنهم يقوضون دعائم الحقوق القديمة مع اضطهادهم أنصار النظام الساقط وإخراجهم من ديارهم وإبادتهم.
ويبلغ التعذيب غايته حينما يدافع الحزب الغالب عن معتقد، عدا دفاعه عن منافعه المادية، فلا يعامل الحزب المغلوب بالرحمة، بل يطرده من البلاد كما طرد العرب من الأندلس، ويقضي عليه كما قضت محكمة التفتيش على الخوارج بالإحراق، ويمعن في قتله كما حدث في دور العهد، ويسن القوانين ضده كالقوانين الحديثة التي وضعت ضد اليسوعيين.
وقد يتمادى الغالب في الظلم فيأمر أن يقوم الورق مقام الذهب، وأن تباع السلع بأثمان بعينها كما يهوى، إلا أنه لا يلبث أن تصدمه الضرورات التي تحول الرأي العام ضد استبداده، وذلك كما حدث في أواخر الثورة الفرنسية، وكما وقع لوزارة اشتراكية أسترالية مؤلفة من العمال، فقد وضعت هذه الوزارة قوانين عقيمة ومنحت المنتسبين إلى النقابات امتيازات كثيرة فسخط الرأي العام عليها فسقطت في ثلاثة أشهر.
والأحوال المذكورة استثنائية، فأكثر الثورات قد وقع ليجلس على العرش ملك جديد، فليعلم هذا الملك أن استمرار حكمه لا يكون بتفضيله طبقة على أخرى، بل باستمالته الطبقات كلها إليه، وهو لا ينال ذلك إلا إذا وازنها موازنة مانعة من تغلب إحداها عليه، فإذا ساعد على تفوق طبقة دون أخرى لم تلبث هذه الطبقة أن تصبح سيدته، وهذه سنة من أصح سنن السياسة، وقد علمها ملوك فرنسة عندما كانوا يكافحون تطاول الأشراف في البداءة ثم الإكليروس من بعدهم، ولولا ذلك لكان نصيبهم مثل نصيب أباطرة الألمان في القرون الوسطى حين كانوا يضطرون - كما فعل الإمبراطور هنري الرابع - إلى زيارة البابوات ليطلبوا العفو عنهم بتذلل.
وقد ثبتت صحة هذه السنة في جميع أدوار التاريخ، فلما تفوقت طبقة الجند في أواخر الدولة الرومانية أصبح الأباطرة تحت إمرة جنودهم فصار هؤلاء يرفعونهم على العرش أو يخلعونهم كما يشتهون.
إذن، إن من حسن حظ فرنسة أن ظل على رأسها زمنا طويلا ملوك مطلقون مدعون أن سلطانهم مستمد من الله، فلولا ذلك ما استطاعوا أن يقبضوا على زمام الأشراف والإكليروس والبرلمان معا، ولو كان على رأس پولونية في أواخر القرن السادس عشر ملوك مطلقون محترمون مثل ملوك فرنسة ما هبطت إلى منحدر الانقراض الذي أوجب محوها من خريطة أوربة.
Bog aan la aqoon