رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة
رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة
Daabacaha
دار السلام للطباعة والنشر
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Noocyada
ولا يقال: إن زيد بن ثابت خرق هذه القاعدة، حيث اكتفى في إثبات آخر سورة التوبة بشهادة أبي خزيمة الأنصاري وحده، وليس بشهادة اثنين، فقد اجتمع فيها زيد بن ثابت نفسه، وعمر بن الخطاب ﵁.
روى ابن أبي داود بسنده عن عبد الله بن الزبير، قال: "أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله ﷺ ووعيتهما. فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما"١.
والسبب في اختيار زيد بن ثابت ﵁ لهذه المهمة الخطيرة: ما جاء في رواية البخاري السابقة، من قول أبي بكر ﵁ لزيد: "إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ".
فهذه المؤهلات: من كونه شابا، فيكون أقدر على العمل، وهو عمل شاق، وكونه عاقلا، فيكون أوعى، وكونه غير متهم، فتركن النفس إليه، وكونه كان يكتب الوحي لرسول الله ﷺ فيكون أكثر ممارسة ... وهذه هي الصفات التي جعلته يكون على رأس القائمين بهذ العمل في نسخ المصاحف في خلافة عثمان بن عفان ﵁ كما سيأتي٢.
وقد استغرق هذا العمل الجليل ما يقرب من سنة، ما بين واقعة اليمامة التي وقعت في الأشهر الأخيرة من السنة الحادية عشرة للهجرة، أو الأشهر الأولى من السنة الثانية عشرة، وبين وفاة أبي بكر ﵁ في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة النبوية، وكان ذلك قبل وفاته بقليل، إذ إن الروايات تشير إلى أن الصحف التي جمع فيها القرآن أودعت عنده بقية حياته، ثم انتقلت -بعد ذلك- إلى عمر بن الخطاب، ثم إلى السيدة حفصة بنت عمر ﵄ بعد وفاة والدها، وظلت عندها إلى أن أخذها عثمان بن عفان ﵁ لنسخ المصاحف منها -كما سيأتي٣.
_________
١ انظر: فتح الباري "٩/ ١٢".
٢ انظر: فتح الباري "١٠/ ٣٨٧"، رسم المصحف للدكتور غانم قدوري ص١٠٤ ط العراق.
٣ انظر: تاريخ الطبري "٣/ ٤١٩"، البرهان للزركشي "١/ ٢٣٨".
1 / 13