ثم ألقى إليه بعض أوامره، وودعه وسافر إلى بريطانيا. (27) جموح المركبة
وكانت قد استحكمت العلائق بين مدام كرمارك وضيوفها، فبينما كانوا يوما جلوسا على المائدة، وذلك بعد وصول بيرابو بيومين، دخل مأمور البريد وقدم إلى بيرابو رسالة ففضها، وقرأ ما يأتي:
سأسافر بعد ساعة حيث أنتظرك في سنت مالو التي تبعد خمس عشرة مرحلة عن القرية التي أنتم فيها، فأسرع إلي عندما تقف على هذه الرسالة لأني بانتظارك.
فنهض بيرابو وقال: لقد جاءني رسول من قبل الوزارة، وهو ينتظرني في سانت مالو، فيجب علي أن أسرع في المسير إليه.
ثم انحنى على كتف امرأته وقال لها سرا: إني ذاهب لألاقي السير فيليام، وسأعود عند الغروب، فاذهبي مع هرمين لملاقاتي.
فأمرت مدام كرمارك أن تهيئ له المركبة، فركب فيها وسار ينهب الأرض نهبا حتى وصل إلى سنت مالو، وكان أندريا قد سبقه إليها منذ ربع ساعة، فاجتمعا وقال له أندريا: كيف مسير أعمالنا؟ - على أتم النجاح، فإن امرأتي أصبحت تميل إليك أشد الميل؟ - حسنا، فكيف عزمت على أن تعرفني بأهل المنزل الذي أنت فيه؟ - إن البارون دي مادي هو صديقك، وهو ابن أخت مدام كرمارك، ومنزله بجوار منزلها، وستدخل القرية عندما يحن الظلام فتسأله الضيافة، وعلي تتميم الأمر. أما الآن فإن طريقنا إلى المنزل وعرة المسالك. - أعرف ذلك.
وبالحقيقة فإن أندريا يعرف تلك الطرق أتم المعرفة؛ لأنه كان يسكن على عهد أبيه فيليبون في قصر كارلوفان، كما يعلمه القراء، وهذا القصر واقع في البراري نفسها. - عجبا! كيف تعرف هذه الطرق؟ - إني أعرفها أكثر منك. - إذن تذهب إلى مغارة الذهب، وتجلس على تلك القمة العالية المشرفة على الأوقيانوس، حتى إذا مرت امرأتي وابنتها تجدانك جالسا في ذلك الخلاء مستغرقا في تأملاتك المحزنة. - حسنا، ولكن لدي طريقة أفضل، ذلك أني أنقذك على مرآها من خطر عظيم. - تنقذني أنا؟ - نعم، فأصغي إلي.
ثم اتفق وإياه على ما سيقف عليه القراء في حينه.
وافترقا، فذهب بيرابو على مركبته لملاقاة امرأته وابنته، وذهب أندريا على جواده من طريق آخر إلى القمة الكائنة أمام مغارة الذهب.
ولم يكن أشد خطرا من تلك الطريق التي سار فيها بيرابو على المركبة، فإنها كانت ضيقة لا يزيد عرضها على ثلاثة أمتار، وهي شديدة الارتفاع يحيط بها من الجهة اليمنى وديان عميقة كثيرة الصخور، ومن الجهة اليسرى البحر الأوقيانوس، وهي كثيرة الشعاب بحيث إن أشد الخطر فيها كان على المركبات التي إذا جمحت بها الجياد تسقط بها إما إلى ما وراء البحر، وإما إلى الوديان، ومع ذلك فقد كان المنتزه العام لأهالي تلك القرى؛ لكثرة ما يكتنفها من جمال الطبيعة، ولا سيما في شهر نيسان، التي تساق هذه الحادثة في غضونه.
Bog aan la aqoon