هذا هو مفاد الرسالة التي لم يهتم بها أرمان كثيرا؛ لكثرة ما كان يرد عليه من أمثالها في كل يوم، ولكنه أخذ دفتر مذكراته، وكتب فيه بالخط المصري:
يجب البحث إذا كان يوجد رجل في وزارة الخارجية قد تزوج في آخر شهر أكتوبر من سنة 1800 بابنة تدعى تريزا ، وإذا كان لها ابنة تدعى هرمين.
ثم أرجع الدفتر إلى مكانه، وذهب إلى منزل بستيان الذي كان ساعتئذ عند حنة، فقرع الباب، وجاء الأمر طبقا لما تصوره، فإن بستيان عندما سمع القرع استأذن من حنة، فخرجت تشيعه إلى الباب الخارجي حيث كان أرمان ينتظر وقلبه شديد الخفوق.
فلم تكد تراه حتى عرفته فاصفر وجهها، واختلج فؤادها، ولكنها تجلدت وانحنت مسلمة عليه بابتسام، ثم دخلت إلى غرفتها وأغلقت الباب. أما أرمان فلم يخف عليه اضطرابها، فكان سروره لا يوصف. (22) الرسالة
مر على ذلك يومان، وقد جرى من الحوادث ما عرفه القراء؛ كأسر سريز في منزل مدام فيبار خارج باريس، وسجن فرناند لاتهامه بالسرقة، وحبس باكارا في مستشفي المجانين، واتفاق أندريا مع بيرابو على الزواج بهرمين. فبينما كان أندريا جالسا في منزله في اليوم الثاني من اتفاقه على المبارزة مع بستيان، وهو قد نال جميع ما يبتغيه من إبعاد جميع من يخشى أن يعترضوا في سبيل مساعيه، بحيث لم يبق عليه سوى إقناع هرمين على الزواج به ليفوز بتلك الملايين، إذ دخل عليه بيرابو، ودار بينهما الحديث الآتي:
فقال بيرابو: إني أتيت لأخبرك عن سفر هرمين وأمها. - إلى أين سافرتا؟ - إلى بريطانيا، فإن لنا فيها بعض الأنسباء، ولا إخال أن فرناند يستطيع الوصول إليها.
فأجابه أندريا ضاحكا: يقتضي له للوصول إليها أن تصادق الحكومة على سفره. - ذلك مستحيل فإن جرمه قد ثبت، وسيحكم عليه بأقرب حين. - ألا توافقني يا عماه على رأيي، وهو أن الحكومة تقدر أن تعثر على المجرم الحقيقي.
فارتعش بيرابو وقال: ذلك لا ريب فيه. - إذن إن هرمين وأمها قد سافرتا. - أجل، إن هرمين قد حاولت الانتحار في بادئ الأمر، ثم الآن لانت بعض اللين ورضيت بالسفر. - إن السفر خير بلسم لجراح الأحزان، وإن العشاق يسافرون باليأس ويرجعون بالنسيان، فلا دواء لمثل هذه الأمراض خير من السفر. - لا ريب عندي بشعائر هرمين، لا سيما عندما تعلم جريمة فرناند. - كلا، لم يحن الوقت بعد لإطلاعها على ذلك؛ حذرا من أن يؤثر عليها تأثيرا لا تحمد عقباه، وإن النساء غريبات الأطوار، فربما زادتها خيانة من تحب تعلقا به. وفي كل حال يجب أولا أن يصدر حكم المجلس. - كما تشاء. - بقي علي أن أسألك إذا كان يمكنك أن تعرفني بأنسبائك في بريطانيا عندما أذهب إليها. - لقد افتكرت بذلك من قبل ورتبته على أحسن منوال؛ فإن كبير العائلة شديد الولع بالصيد، محب لكل راغب فيه، ولا أيسر لك من أن تتظاهر بشدة الميل إلى الصيد، فتلتحم بينكما العلائق، وتتصل إلى العائلة فلا يمضي الشهر إلا وأنت صهري. - وعند ذلك تنعم بسريز وبحظك من الملايين. - يجب أن أصبر شهرا كاملا، إن ذلك لأجل طويل، وإني أكاد أجن من شوقي إليها. - ذلك منوط بك، فإذا أمكنك أن تزف هرمين إلي بعد أسبوع تكون لك سريز، وهذه هي طريقتي واحدة بواحدة جزاء. - لا أراك مصيبا في ذلك؛ لأنك تعلم ما ينالني من الفائدة بزواجك هرمين، وأنت وحدك تعرف. - تريد أن تقول إني وحدي أعرف المودعة عنده تلك الملايين، ولكن ألا يتفق لذلك الرجل المودعة عنده أن يعلم اتفاقا أو بإحدى الطرق اسم الوارث، فإذا أعطيتك سريز الآن، واتفق بعد ذلك حصول هرمين على الإرث، فإنك ترفض لتستأثر دوني بالملايين. - ولكن أنسيت أني المجرم الحقيقي في مسألة فرناند؟ - لم أنس ذلك، ولكن الرابطين أشد من الرابط، ومن كان مثلك فإنه يتحمل كل عار لكسب الدراهم، ولكنه ينفق ذلك الدرهم في سبيل غرامه، ولا أشد من غرام الشيوخ، فإذا أعطيتك سريز فإنك تلبث في خدمتي، ولكنك تخدمني ببطء كشريكك في الجرم، وأنا أريد أن تخدمني بغيرة كعاشق؛ لذلك أعود فأؤكد لك أني في اليوم الذي أتزوج فيه بهرمين تنعم أنت بسريز، ولندع الآن الخوض في هذا إذ لا فائدة منه، واعلم أني سأذهب بعد بضعة أيام إلى بريطانيا، فعليك أن تستأذن من الوزارة فتذهب قبلي إلى امرأتك وابنتك، واجتهد أن تكتب لي في كل يوم عن هرمين، وأن تمهد لي السبيل. - سأعمل كما أشرت وسأسافر اليوم.
ثم ودعه وانصرف، وخرج أندريا بعده، وذهب إلى السفارة الإنكليزية حيث اجتمع بصديقين له فيها، وعرض عليهما ما كان بينه وبين بستيان، وسألهما أن يكونا شاهديه، فقبلوا وخرجوا سوية من السفارة، فرجع أندريا إلى منزله، وذهب الشاهدان إلى منزل الكونت أرمان دي كركاز ليتفقا مع بستيان على شروط المبارزة، فلم يجداه بل وجدا أرمان الذي بذل ما في وسعه لمنع المبارزة، فلم يجد إلى ذلك سبيلا؛ لما اشتهر به الإنكليز من العناد في مثل هذا الموقف، فاتفقوا على أن المبارزة تكون بالسيف، ويكون الملتقى في الساعة السابعة من الغد في غابة بولونيا، ثم تركاه وذهبا إلى أندريا فأخبراه بما كان، وبعد أن ذهبا وردت إلى أندريا رسالة من كولار هذا نصها:
أكتب إليك الآن من منزل فتاة بجوار منزل حنة قد أغويتها بحيث أصبحت آلة في يدي أديرها كيف أشاء. وقد وثقت الآن أن بستيان لا يبيت هذه الليلة في منزله الجديد، فلا يبقى أحد بجوار حنة، بحيث يخلو لنا الجو، فتدبر وسأحضر إليك بعد قليل للمداولة في هذا الشأن.
Bog aan la aqoon