فأجابه أندريا بغاية الهدوء والسكينة: إني أقسم لك إنك مخطئ، وإني لا أعرف الكونت دي كركاز، ولا اسمي الفيكونت أندريا، ولم أتشرف برؤياك قبل الآن.
أما بستيان فإنه رأى مسعاه قد أخفق، وقد بذل ما لديه من الوسائل، فإنه استعمل في بادئ الأمر الحيلة، ثم ذكر له ثروة أرمان الواسعة، وأن أخاه يبحث عنه في كل مكان ليشاطره هذه الثروة، آملا أن تثور به المطامع، فيخلع ثوب الخفاء ويعترف باسمه الحقيقي، فذهبت جميع آماله أدراج الرياح.
وكان بستيان على كهولته شديد الأعصاب متين القوى، فلما رأى إخفاقه ثار به الغضب، فتقدم من أندريا، وقبض عليه بيدين من الفولاذ، وهو يقول: أيها الفيكونت، إنك لا تستطيع أن تخدعني طويلا، وستعرف الآن أنك لست بالسير فيليام؟
فتصنع أندريا الانذهال، وأجابه باللهجة الإنكليزية المعهودة قائلا: ألا تريد أن تدعني وشأني، فقد ابتدأت أن أحسبك مجنونا؟ - لتعلمن أيها الفيكونت أني أشد منك ساعدا، وأني قادر على خنقك ببضع ثوان، فاحذر من أن تستغيث إذ لا يجديك الصراخ نفعا. - إذن تريد قتلي؟ - كلا، بل إني أريد أن أجردك من ثيابك، وأكشف عن صدرك لأتبين فيه علامة أعهدها من قبل، فإني رأيتك عاريا مرارا كثيرة في حداثتك، وكنت أرى تحت ثديك الأيمن شامة سوداء. - إن بصدري كثيرا من تلك الشامات، وستحقق ما أرتك عيناك من الأوهام.
ثم أفلت منه ونزع ثوبه ومزق قميصه، فظهر من تحته صدر كثير الشعر ملآن من تلك الشامات السوداء التي تسميها النساء حبات الجمال، فارتاع بستيان مما رآه، ورجع إلى الوراء، وقد علا وجهه الاصفرار، وهو يقول: ليس هو إياه ولكن الشبه شديد.
وكان السير فيليام هو ذات أندريا، ولكن لم يدر بخلد ذلك الكهل الطيب السريرة أنه صبغ شعره بلون السواد، وأخفى كل أثر يعرف فيه.
ووقف الاثنان بعد ذلك ينظر كل منهما إلى الآخر إلى أن افتتح أندريا الحديث، فقال: إن كل ما ظهر لي منك يدل على الجنون، فأنت دخلت إلي وأنا لا أعرفك، ودعوتني باسم رجل لم أسمع بذكره في حياتي، وعندما أظهرت لك خطأك بلطف وأدب هجمت علي هجوم الكواسر، فأنا أعتبر أنك أهنتني.
فأجاب بستيان بصوت المتوسل، وقد شعر بما ارتكب من الخطأ: أسألك أن تتعطف بالإصغاء إلي دقيقة واحدة. فاعلم الآن أن أندريا الذي دعوته بالفيكونت أندريا والذي يشبهك شبها غريبا، هو رجل شرير وأهل لكل الذنوب، وإن له أخا يدعى الكونت أرمان دي كركاز له من النبل ومكارم الأخلاق بقدر ما لذلك الخائن من الدناءة والشؤم والإقدام على كل منكر. أما ذلك الخائن، فهو شديد الحقد على أخيه الذي رد إليه الشرع ثروة واسعة كان سلبها أبوه من أبيه؛ إذ هو أحق منه بها، وقد سافر منذ ثلاث سنوات من باريس على إثر ذلك وهو يجد ولا ريب وراء وسائل الانتقام؛ لأنه على ما أبنت لك أهل لكل شر، وإني أحب الكونت دي كركاز كما يحب الأب ابنه، وهو يحب فتاة طاهرة الأخلاق، فإذا علم بأمرها ذلك الخائن، فهو لا يعدم وسيلة لغوايتها؛ لأنه هو شديد المكر كثير طرق الغواية. وقد علمت الآن أن الذي دفعني إلى التصرف معك، على ما أنكرته علي، لم يكن إلا ذلك الشبه الغريب، ومع ذلك أعتذر إليك وأسألك الصفح عما كان.
فلبث أندريا هنيهة يفتكر ثم قال له ببرود: إن ذلك الحديث الذي قصصته علي جليل الفائدة، ولكنه لا يرضيني تمام الرضى، ولا أجد سبيلا للعفو عما أسأت إلي به؛ لذلك أسألك أيضا أن تخبرني عن اسمك وعن محل سكنك، فإني لم أقتنع بسلامة قصدك.
فأجابه بستيان، وقد وقع عليه هذا الكلام وقوع الصواعق: إني أدعى بستيان.
Bog aan la aqoon