وكان لا يشغل باله إلا بما يستطيع أن يسيء به إلى تلك المرأة التي لم تحبه غير يوم واحد، ولا يهتم إلا بما يسهل له سبل الانتقام منها، وهي لم تسئ إليه قط بحياتها إلى أن علم يوما أنها علقت بولد منه، فوجد ضالته المنشودة، وأملت عليه قريحته الجهنمية هذا التصور الفظيع: «إذا مات ابنها فإن ابني يرث جميع هذه الثروة العظيمة وحده، ولا أسهل من إعدام طفل لم يبلغ أربعة أعوام.» ومن ذلك الحين أخذ يترقب الفرص للوصول إلى هذه الغاية الهائلة.
ولقد سبق لنا القول أن قصر كرلوفان كان قائما على شاطئ البحر، وكان به سطح يحيط به رواق ضيق كان يلعب عليه أرمان عندما تتحول عنه أشعة الشمس.
وكانت أمه كثيرة الخشوع شديدة الرغبة في الصلاة؛ إذ كانت تجد بها خير تعزية على أحزانها، فتركته يوما يلعب وحده على السطح، وولجت غرفتها فجثت أمام صليب من العاج، واستغرقت في صلاتها فلم تفرغ منها إلا وقد غربت الشمس وسار الظلام، فانتبهت مرعوبة لهدير الأمواج، وأول ما خطر على بالها ولدها الذي لم تره بقربها.
وكان الجو قد أقتم، وثارت الرياح، وأدلهمت السماء، فلعلعت الرعود واندفع السيل كأفواه القرب، فهاجت الأنواء حتى كاد صوت الأمواج يزيد على قصف الرعود؛ فخرجت تبحث عن ولدها وهي تضطرب كالعصفور بلله القطر، فلم تكد تبلغ الباب حتى لقت زوجها داخلا بملابس الصيد وعليه ملامح الرعب، فارتاعت لرؤياه، وانقبضت نفسها لمنظره، فلم تستطع كتمان اضطرابها وسألته عن ولدها سؤال قلق وارتياب، فأجابها ببرود: إني عجبت لبعده عنك، ولو لم تسبقيني بالسؤال عنه لكنت سبقتك إليه.
فاختلج فؤاد تلك الأم التعيسة، وفتحت نافذة الغرفة تطل على السطح، ونادت بصوت متقطع: أرمان. فلم تسمع لصوتها صدى، ولم تجبها غير الرياح الثائرة.
وكان على الطاولة في الغرفة مصباح ضعيف يضيء بأشعته المضطربة جوانب الغرفة، فنظرت إلى فيليبون، وإذا بعلائم الخوف مرتسمة على وجهه، وعيناه تضطربان اضطراب الأثيم الخائف، فأحست بالخيانة وصرخت به تقول: ولدي، قل لي ما صنعت بولدي.
أما فيليبون فإنه تجلد جهد الطاقة، وقال: إني لم أر ولدك، ولم أدخل القصر إلا الآن.
فلم يزدها جوابه غير ريبة، وخرجت من الغرفة هائجة تصيح: أرمان أرمان. ولكن صوتها لم يسمعه غير ذلك البحر الهائج.
3
كان فيليبون قد عاد من الصيد، ودخل القصر منذ حين دون أن ينتبه إليه أحد من الخدم، فسار اتفاقا إلى السطح الذي كان يلعب الطفل عليه.
Bog aan la aqoon