فجعل العرق البارد ينصب من جبينه وقد أيقن أن روكامبول مات، وأنه لم يعد له رجاء بقبض المال منه.
أما مدام ألفونس فإنها أعيت عن الجواب، ولكنها لبثت مستنكرة للقتل فقال لها الكونت: إنك ستكتمين هذا السر في كل حال. - لا بد لي من كتمانه لأني شريكة لكما بقتل هذا المسكين. - بقي أن أدفع لك المائة ألف فرنك التي وعدتك بها.
ثم ذهب إلى خزانته ففتحها وأخرج منها أوراقا بهذه القيمة وهو يقول: ليس لدي اليوم غير هذه القيمة فخذيها. - كلا، فإن هذا المال ثمن دم ذلك المسكين وهو ورثني الشقاء.
وألح عليها فأبت فقال لها: إذن خذيها وضعيها في صندوق الصدقات المعلق على باب كنيسة نوتردام، وهذه مركبتي إنها توصلك إلى الكنيسة، ثم تذهب بك إلى منزلك. - أحسنت، فإن التبرع بهذا المال على الفقراء سيكون كفارة عن ذنوبي.
وأخذت المال وودعته وانصرفت.
وبينما كان الكونت ينزع ثيابه لينام كان فانتير يقول في نفسه: إن روكامبول مات بعد أن أباح بأسرار السير فيليام، ولا بد أن يكون الكونت وباكارا قد اتخذا الوسائل اللازمة لإنقاذ أرمان دي كركاز من مخالب أخيه، فإذا قتلت هذا الكونت فلا أستفيد من قتله شيئا، لا سيما وأنه لم يبق في خزانته شيء من المال، وخير لي أن اتفق مع هذا الكونت، فقد يعرض علي ما خسرته بموت روكامبول.
وعند ذلك فتح باب الغرفة المختبيء فيها، ودخل وبيده الغدارة على الكونت، وكانت الكونت قد خلع ثيابه وصعد إلى سريره وأخذ يقرأ في كتاب، فلما رأى هذا الأسود داخلا إليه وبيده غدارة يصوبها إليه ذعر لمنظره، غير أنه تجلد ولم يظهر شيئا من دلائل الخوف، بل قال له بسكينة: من أنت وماذا تريد؟
فوضع فانتير الغدارة على المستوقد، ودنا من سرير الكونت، ووقف بإزائه وقال: إنك يا سيدي الكونت رجل شريف لا تخل بوعد، ولو صدر هذا الوعد منك إلى لص. - ذلك لا ريب فيه، ولكن من أنت وماذا تريد؟ - أنا لص وقد أوشكت أن أكون قاتلا، أما ما أريده فلا أنطق به إلا إذا تعهدت لي أن تسمعني دون أن تنادي خدمك فيطردوني. - قل، وأنا أتعهد لك بسماع جميع حديثك. - إني دخلت منزلك يا سيدي الكونت دخول اللصوص، ولكني لم أكن أبغي سرقة مالك بل ما هو أعز من المال. - ألعلك كنت تريد قتلي؟ - نعم، وقد كنت مدفوعا إلى قتلك بأجرة معينة قدرها عشرة آلاف فرنك قبضت نصفها مقدما.
وابتسم الكونت وقال: أحب أن أعرف اسم هذا الرجل الذي يقدر حياتي بهذه القيمة. - إنها قيمة زهيدة يا سيدي الكونت، ولكنك من الأغنياء.
وابتسم الكونت أيضا وقال: لقد علمت الآن السبب في عفوك عني، فلقد قلت في نفسك أن الكونت غني وقد يمنحني ضعف هذه القيمة، فإذا كان ذلك فإني أمنحك عشرين ألف فرنك فاذهب بسلام. - أشكرك يا سيدي جزيل الشكر، إلا أني لم أتشرف بالمثول أمامك لهذا السبب وحده. - لأي سبب؟ - إنك يا سيدي تراني أسود اللون، غير أني إذا إغتسلت بالماء السخن ودهنت جسمي ببعض المواد صار أكثر بياضا من جسمك. - ماذا أسمع؟ ألست إذن عبدا أسود؟ - كلا يا سيدي، ولكن دخولي في خدمة المركيز دون إينجو اضطرني إلى أن أصبغ جسمي بلون أسود. - أنت كنت في خدمة هذا الرجل؟ - نعم. - وهو الذي دفع لك خمسة آلاف لتقتلني؟ - نعم. - لقد أحسنت إذن برجوعك عن قتلي، لأنك لو قتلتني لخسرت الخمسة آلاف الأخري. - لقد عرفت يا سيدي، لأني سمعت ما كنت تحدث به تلك السيدة. - إذن أخبرني الآن بماذا تريد؟ - إنك وعدتني أولا بأن تمنحني عشرين ألف فرنك، ثم تسمع جميع حديثي. - سأفي بالشرطين. - إذن، اعلم أن لهذا المركيز الذي قتلته اسما ثانيا. - عرفت ذلك. - إنما بقي أمر ثان لم تعلمه، وهو أنه لدي سر هائل يختص بشخص تحبه، فإذا وقفت عليك فإنك تساومني بمشتراه.
Bog aan la aqoon