وكأن حنة قد علمت ما يريد أن يقول، فارتجفت أعضاؤها وقالت له بعظمة وكبرياء: ماذا تريد بهذا القول؟
ولم يكترث لها روكامبول بل ركع أمامها وقال: سيدتي، أصغي إلي.
أما هي فلم تجد قوة للاستغاثة لما داخلها من الرعب، ووقفت جامدة دون حراك كالواقف في ساحة قضاء ينتظر تلاوة الحكم عليه بالإعدام.
فقال روكامبول دون أن يغير شيئا في لهجة احترامه: إني خلقت يا سيدتي في بلاد حارة المناخ، ونشأت بين قوم كنت كالملك عليهم وكانوا كالعبيد لي، فنشأ بي حب الأثرة وعدم المبالاة بالصعاب، لأني لم ألق في حياتي من يعترضني فيما أريد، وقد أتيت حديثا إلى باريس كي أبحث عن شريكة لي تشركني في هذا الملك الذي لا حد لسلطانه، وهذه الشهرة التي لا حد لاتساعها.
وحسبت حنة أن هذا الشاب يحاول الزواج حقيقة، وأنه يتلمس مساعدتها في طلب تلك الزوجة التي اختارها، فقال روكامبول: ولقد وجدت الآن هذه المرأة، وأنا أعبدها كما يعبد المؤمن ربه، غير أن مصطلحات الناس قد وضعت بيني وبينها هوة عميقة بحيث يتعذر اجتيازها، ولكني يا سيدتي في مقتبل الشباب وقد تعودت أن لا أحتفل بالمصائب، فلا عبرة عندي بالمستحيل، ثم إن هذه المرأة التي تحول بيني وبينها الشرائع والعادات قد أقسمت على أن تكون لي، وعلى أن أذهب بها فأعيش تحت سماء بلادي الصافية الزرقاء، وأن أضع لها صولجان الملك على عبيدي وأعيش مدى العمر عبدا لها.
ولم يبق ريب لدى حنة في قحته وجرأته عليها، فأوقفته عن تتمة حديثه بإشارة وقالت: ألمثل هذه الأقوال الفاسدة قد أتيت إلي؟ - قد تكون فاسدة يا سيدتي، ولكنها صادقة صادرة عن قلب تنبض فيه عروق الإخلاص والحب الصحيح. - ولكنك قد نسيت من أنا، وغفلت عن أن زوجي الكونت أرمان دي كركاز قد فتح لك أبواب منزله. - كلا، وا أسفاه! فإني لم أنس شيئا من ذلك.
ثم ركع أمامها وقال: والآن يا سيدتي، فلا بد أن تكوني عرفت تلك السيدة التي أبذل الحياة في سبيل رضاها وأعبدها عبادة الالهة. إن تلك السيدة التي أقسمت على أن أفوز بحبها وأحكمها في قلبي هي أنت.
ونهض بعد هذا القول ومشى خطوة إليها يريد تقبيل يدها، فارتجفت حنة منذعرة وصاحت بصوت خنقه الخوف: إلي إلي ...
ولم تكد تتم استغاثتها حتى فتح الباب بعنف، وأسرع رجل منه إلى روكامبول فصفعه صفعة شديدة على خده وهو يقول: تبا لك من نذل أثيم!
55
Bog aan la aqoon