329

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Noocyada

فلم يسع شاروبيم إلا الامتثال، فأخذ القلم بيده، وأملى عليه روكامبول ما يأتي:

سيدتي

أعلم أني لا أخطر لك في بال، ولكني أجسر على الكتابة إليك لأن ما ألتمسه منك يتعلق عليه نعيمي وحياتي، فلا إخالك ترفضين طلبي وقد جبلت على اللطف ومكارم الأخلاق، وأشبهت الملائكة في كل شيء، على أني أكتب إليك هذه السطور بيد ترتجف، لأني تجرأت على الكتابة إليك، كما تجرأت على أن أرفع عيني إلى وجهك المشرق بنور الفضيلة والشرف.

ولقد قلت إن هذا الكتاب تتعلق عليه حياتي ونعيمي، على أني لا أريد بها نعيمي وحياتي خاصة، فقد سئمت الحياة ويئست من كل نعيم بعد أن عولت على أن أهيم على وجهي، ولكني أريد بهما حياة ونعيم من لا نصير لهما في هذا العالم إلاي.

وأنا مسافر غدا إلى الهند سفرة لا أوبة بعدها، ورجائي أن تمني علي بمقابلة أخبرك فيها بشأن هذه الأم المنكودة، وعسى ألا أخيب.

ولما فرغ شاروبيم من الكتابة قال: أتظن أن هذا الكتاب يقنعها ويحملها على مقابلتي؟ - ذلك لا ريب فيه. - وماذا تريد أن أحدثها عن أمي، وأنا لا أم لي؟ - لا يجب أن تحدثها عنها بشيء، فإن هذه المقابلة ستكون في منزل الأرملة مالاسيس، وهي تكون غائبة عن المنزل، فمتى قدمت المركيزة تجثو أمامها وتكلمها بلهجة محب سعيد في غرامها منذ عهد بعيد، وقد بلغ في حبها أقصى ما يرجو، إلى غير ذلك من الأقوال الدالة على تمكن الحب بينكما.

فاعترض عليه شاروبيم وقال: كيف أستطيع أن أذكر أمامها مثل هذه الأقوال، فإنها توقفني بنظرة عند حدي؟ - إنها لا تجد وقتا فسيحا، فإنك عند أول جملة تقولها تخرج رصاصة من مسدس المركيز فتخرق صدرها.

فأجفل شاروبيم وقال: ألعلك تطمئني بذلك؟ - لا تخش فإن رصاصة المركيز لا تخطئ، وهو من مشاهير الرماة. - ولكنه إذا قتلها، فلا بد له من قتلي بعدها. - كلا، فلقد أقسم أن لا يقتل سوى امرأته، وأن لا يعترض بسوء لسواها؛ إذ إنه يرى أن الذنب في تلك الجرائم لا يجب أن تلقى تبعته إلا على المرأة، فإنها لو أرادت صيانة نفسها لما تجرأ الرجل عليها.

فطاب خاطر شاروبيم واطمأن، ثم جعلا يتنقلان بالحديث إلى أن دفعه روكامبول إلى الحديث عن باكارا، فأخبره عن الرسالة التي وردت إليه وأطلعه عليها، فقال له روكامبول: لا شك أنها منها، وإن تكن خالية من توقيعها وهو ما يدل على أنها تحبك حبا أكيدا. - لم يعد لدي ريب بحبها بعد أن أكرهتني على الرجوع عن الرهان، فإنها أرادت بذلك أن تستبقيني لحبها لي، وأن تستبقي الكونت الروسي لطمعها بأمواله، وهي لا تعلم أني جددت الرهان بالسر، إلا أن الذي يسوءني منها أنها لا تزال واقفة معي في مواقف المتردد. - أأنت واثق من أنها تهواك؟ - لا ريب عندي، ولكني أخشى أن يطول ترددها فينقضي الأجل المفروض بيني وبين الكونت وأخسر الرهان، وليس بعد خسارته كما تعلم سوى الموت.

فأخرج روكامبول زجاجة العطر المسموم من جيبه وقال: إني سأخدمك أجل خدمة، فانظر إلى هذه الزجاجة العطرية، فإن من يفض ختمها ويشم رائحة عطرها تهيج منه مكامن الغرام، ويندفع في القول إلى أن يبوح بجميع ما في فؤاده من الأسرار. فخذها إليها فإنها من العطور الشهيرة وستقبلها منك راضية شاكرة، وقبل أن تدفعها إليها أخبر الكونت أنك واثق من كسب الرهان، فاتفق معه على أن يسمع حديثكما في غرفة مجاورة، حتى إذا خلوت بها وهو مختبئ بجواركما أعطيتها الزجاجة، فتفضها وتشمها وعند ذلك تبوح لك بغرامها وسائر مكنونات صدرها، فتبلغ منها ومن الكونت ما تريد. إنما يجب عليك أن تحذر من أن تشم ذلك العطر لئلا تحدث لك نشأته، فتبوح بأسرارنا.

Bog aan la aqoon