15
ولا بد لنا هنا من إيضاح خطة أندريا الهائلة، فإنه كان يقسمها بين الفائدة والانتقام، أما الفائدة فهي ما كان يرجو أن يكسبه من الهندية وهو خمسة ملايين، بعد أن يدع المركيز فان هوب يثق من بغي زوجته ويقتلها بيده، ثم يتزوج بعد ذلك بابنة عمه الهندية، فكان يستخدم شاروبيم الجميل لإغواء المركيزة، ويستخدم الأرملة صديقة المركيزة لهذه الغواية، ثم إنه كان يطمع بفائدة أخرى ينالها من أموال فرناند روشي الذي سلط عليه الفيروزة وعلمها طرق إغوائه وابتزاز أمواله.
أما انتقامه فإنه كان يحاول أن ينتقم من جميع أعدائه القدماء، مبتدئا بأخيه الكونت أرمان، فإنه قد تلبس أمامه بلباس التوبة الكاذبة، وظهر أمام زوجته بمظاهر الأبرار. وكان يكتب كل يوم بضعة سطور في مذكرته اليومية تشير إلى ما يقاسيه من حبه لامرأة أخيه، وما يكابده من العناء في سبيل قمع نفسه عن هذا الجور، ذاكرا ذنوبه السابقة بالندم الشديد، ثم يضع هذه المذكرات بحيث تقف عليها امرأة أخيه، حتى إذا قرأتها في غرفته أشفقت عليه، وبين الشفقة والحب مسافة قصيرة.
وكان يريد بذلك أنه متى تمكن من خدعة أخيه وحمله على الوثوق به، دفع روكامبول إلى قتله بمبارزة، فيغدو أندريا بعد قتل أخيه قيما على ولده وزوجا لامرأته، فيجري على ما جرى عليه أبوه قبله.
ثم إنه كان يحاول الانتقام من باكارا لأنه علم أنها غير منخدعة بتوبته، وخشي أن تتصدى له في سبيل انتقامه، وتحول بينه وبين أغراضه؛ فقرر قتلها. أما فرناند فإنه كان يريد أن ينتقم منه بتجريده من أمواله، وبقتله بيد صديقه ليون رولاند، وذلك أنه جعل الفيروزة تسطو على الاثنين وترمي في شرك غرامها الفؤادين، فتظهر أمام فرناند بالمظهر الذي عرفناه، وتتمثل أمام ليون بزي عاملة فقيرة تلتمس العمل في معمله لإنقاذ أبيها من الشقاء، ولهذا فإنها عندما خرجت من لدن فرناند غيرت ملابسها ولبست ملابس العاملات، وانطلقت إلى غرفة حقيرة أقامت فيها رجلا أعمى كانت تقول لليون أنه أبوها، وكان يريد أندريا بهذا الحب المزدوج أن يلقي التحاسد بين العاشقين دون أن يعرف أحدهما الآخر، ثم يحمل ليون على قتل فرناند في ظلام ليل دامس كما سيجيء بيانه بالتفصيل.
وكان آخر ما في كنانته الجهنمية من السهام أنه كان يريد أن ينتقم من هرمين زوجة فرناند، فيهتك عرضها ويجعلها مضغة بالأفواه، ولهذا فقط سلط عليها الكونت مايلي حفيد الدوق، ووعده بمنع زواج الدوق بالأرملة، وإبقاء أمواله العظيمة له إذا تمكن من إغوائها وتمثيلها للعيون على ما يريد مما يخالف الشرف وواجبات الزواج. هذه هي مقاصد هذا الرجل الهائل التي يدور عليها محور هذه القصة. •••
ولنعد الآن إلى الفيروزة، فإنها خرجت بلباس العاملات إلى الغرفة التي أقامت فيها أباها الكاذب كما قدمناه، فأتى ليون إلى تلك الغرفة كي يساعد ذلك الأعمى المنكود، فتلبست أمامه بلباس الفتيات الطاهرات، وأثارت في فؤاده مكامن غرام جديد.
ثم فارقها على أن يعود إلى أبيها في اليوم التالي كي ينظر إلى أمره، وفي نفسه الضعيفة من غرامها القوي أشياء. فلم يكد يخرج من تلك الغرفة حتى خرجت في إثره، فركبت مركبة وأسرعت بالرجوع إلى منزلها الذي تركت فيه فرناند، وهي تقول في نفسها: لقد وقع ليون، فلننظر في ملايين فرناند.
فلما بلغت إلى المنزل غيرت ملابسها، ودخلت إلى غرفة فرناند، فألقته جازعا لفراقها، وقد ظهر الحب بين ثنايا وجهه، فابتسمت له وقالت: كيف أنت؟ - بخير لولا ما كنت أشكوه من الوحدة. - هو حق ما تقول؛ فإن المريض أشبه بالمسجون.
فحاول أن يجيبها، ولكنها وضعت أصبعها فوق شفتيها القرمزيتين وقالت وهي تبتسم له: دعني أتمم حديثي.
Bog aan la aqoon