فلما وصلت إلى المنزل أمرت خادمتها أن تعد لها أمتعة السفر، حتى إذا أقبل الدوق علم صدق عزمها. فلما أتمت المعدات أطلقت سراح الخادمة وجلست في سريرها تضرب أخماسا لأسداس، وتتوقع من دقيقة إلى أخرى قدوم الدوق، ولبثت على ذلك إلى أن أشرق الفجر، فسمعت وقع أقدام على السلم المؤدية إلى غرفتها، فاختلج فؤادها وأسرعت إلى صندوق السفر ترتب الثياب فيه، ثم سمعت صرير المفتاح في القفل، ثم فتح الباب فأجفلت إجفال الظباء ورجعت منذعرة إلى الوراء؛ ذلك لأن هذا الرجل الذي دخل غرفة نومها في الساعة الرابعة بعد منتصف الليل، وفتح الباب بمفتاح خاص لم يكن الدوق، بل كان بعلا ما عرفته من قبل.
12
ولنعد الآن إلى فرناند وخصمه، فإنه بعد أن لقي فرناند شاهده وهو الماجور، ولقي روكامبول شاهده وهو أندريا، خرج الأربعة خلسة من قصر المركيز دون أن يشعر بهم أحد، حتى إذا بلغوا إلى قارعة الطريق قال روكامبول لفرناند: إن مخازن الأسلحة مقفلة الآن، غير أن منزلي قريب، فإذا شئت مررنا به فأخذنا سيفين، وإلا فإننا نوقظ أحد أصحاب هذه المخازن.
فقال فرناند: لا حاجة إلى ذلك، فإن سيفيك يغنيانا عن إيقاظ الناس في هذه الساعة المتأخرة من الليل.
فشكره روكامبول وسار الأربعة إلى منزله، فأخذوا منه سيفين متساويين في الطول، ثم انطلقوا إلى محل قريب مقفر، ولما أيقنوا بخلائه أخذ الشاهدان السيفين وفحصاهما فحصا مدققا، ثم أعطيا سيفا لكل من الخصمين وأوقفاهما في موقف القتال.
وكان أندريا تمكن في خلال مسيرهما أن يخلو بروكامبول فقال له: أعلمت أيها الحبيب أن تصيبه كما علمتك. - أجل، حفظت كل شيء. - إذن، فاحذر أن تقتله فإني لا أريد أن يموت الآن، وألا تدع حسامك يدخل في كتفه إلا بقدر ما علمتك. - كن مطمئنا؛ فلا يكون إلا ما تريد.
وأمر الشاهدان الخصمين أن يقتتلا، فانقض كل منهما على الآخر انقضاض الصاعقة، ولبثا مدة طويلة بين هجوم ودفاع إلى أن فاجأ روكامبول خصمه فرناند بضربة وقعت في كتفه، فاختلج لها فرناند وانصب الدم من كتفه بغزارة، ثم اصفر وجهه ووهت رجلاه، فسقط على الأرض لا يعي لفرط ما نزف من دمائه، وعند ذلك أسرع الشاهدان إليه فأوقفا المبارزة وانصرفا إلى العناية بالجريح، وعند ذلك دنا أندريا من روكامبول وقال له همسا: لقد أحسنت، ولكن احذر من أن تكون قد قتلته.
13
وقد رأى الماجور أن فرناند قد سقط على الأرض، ولم يكن واقفا على شيء من أسرار أندريا بشأنه، فأسرع لمساعدته كما تقضيه الواجبات، غير أن روكامبول حال بينه وبين فرناند، فانحني عليه وقال له: إن مهمتك قد انتهت أيها الماجور، فارجع إلى منزل المركيز أو إلى منزلك كما تشاء، ودعني أعتني بهذا الجريح.
فأيقن الماجور أن فرناند قضي عليه بحكم صادر من الجمعية السرية، وأخذ سيكارة من جيبه فأشعلها من مصباح المركبة، وانطلق مطرق الرأس يفكر في أمر هذه الجمعية، وما يحيط بها من الأسرار.
Bog aan la aqoon