فضحك أندريا ضحك الساخر وقال: إنك لا تزال على سابق عهدي فيك، فإنك تستطيع أن تكون يدا عاملة منفذة، ولكنك لا تقدر أن تكون الرأس المدبر. - كيف ذلك؟ - لأن الهندية لا تريد الاقتصار على قتل المركيزة، بل إنها تريد أيضا الزواج بالمركيز، وإذا كان هذا المركيز يحب امرأته هذا الحب، فهو لا يتزوج سواها إذا فجع بها بعد عهد قريب، بل قد يقتل نفسه بعد قتلها، فنخسر الملايين؛ ولذلك يجب أن يكره المركيز امرأته قبل أن تموت أو تقتل، ولا يجب أن يحب غير ابنة عمه الهندية، ولا نقبض الملايين الخمسة إلا بهذا الشرط.
فقال روكامبول: لقد بدأت أن أفهم، ولكنه عمل شاق يحتاج إلى الدهاء الكثير. - وليس الجزاء بيسير. - وأين رأيت هذه الهندية؟ - رأيتها في نيويورك. فاسمع حكايتها فإنها لا تخلو من الفكاهة.
5
قبل أن نرجع من نيويورك، وذلك منذ بضعة أشهر، بينما كنت راجعا إلى المنزل في المساء، رأيت مركبة يسوقها أربعة جياد تسير سير الهوينا، وفي صدرها صبية تدل هيئتها على أنها بين الخامسة والعشرين، أو الثلاثين من العمر، فاستوقف نظري ما رأيته بهذه الصبية من عينين متوقدتين كأنهما تخرج منهما شهب النار ووجه متجهم بالسويداء، وملامح تدل بجملتها على الاسترسال بالملاذ. غير أن تجهمها على صباها وظواهر غناها كان يشير على أن في حياتها سرا من الأسرار، فوقفت أنظر إليها نظرة الفاحص، وأنا أبعد عنها عدة أمتار، ونظرت إلي وحدقت بي، ثم برقت أسرة وجهها كأنها تقول: هذا هو الرجل الذي أبحث عنه. ثم أمرت السائق بالوقوف فوقف، أما أنا فإني دنوت من المركبة وجعلت أنظر إليها نظرات تخترق النفس، ثم قلت لها: ماذا تبتغين؟ قالت بصوت أجش، تبدو من نبراته علائم الظمأ إلى الانتقام: أريد رجلا قويا. - إنك نكبت نكبة غرام؛ فغدوت كاللبوة فقدت أشبالها. - هو ذاك؛ فإني أحب وأكره لحد الموت. - إن الانتقام يقتضي له المال الكثير.
فقالت ببرود: أيكفي 20 مليونا؟
فلم أنبس بعد ذلك بحرف، وصعدت إلى المركبة فجلست بالقرب منها، فسارت بنا المركبة سيرا حثيثا حتى بلغنا إلى قصرها، فنزلت وأخذت يدها ودخلنا إلى إحدى قاعات المنزل، فأقفلت الباب وأجلستني أمامها، ثم قالت: إني لم أرك غير الآن، ولا أعلم من أنت ولا من أي بلاد أتيت، ولكني قرأت في عينيك ما دلني على أنك ذلك الرجل الذي أبحث عنه من دهر طويل يكون عوني فيما أبغيه من الانتقام. - لقد صدق نظرك، فأنا هو ذلك الرجل. - إني أهوى ابن عمي وأريد أن أتزوج به. - إذن فلا بد من قتل امرأته. - أصبت وليس أسهل من قتلها، فإن لدي كثيرا من الخدم إذا أمرت أحدهم بقتلها لا يعود إلا مخضبا بدمائها، ولكنها إذا ماتت مثل هذه الميتة زاد شفقة بها، ولا أنال منه شيئا. - إذن كم تعطي الرجل الذي يزيل جميع هذه الموانع ويجعل ابن عمك يهيم بك. - أعطيه كل ما يريد، فاطلب ما تشاء. - أطلب خمسة ملايين. - أتموت امرأته موتا فظيعا وينساها زوجها؟ - أجل. - ومن يقتلها؟ - زوجها.
فصاحت صيحة فرح وقالت: لك ما طلبت من الملايين. - إذن اطمئني فسيقتلها بيده ويلعنها بعد قتلها، ويعود إليك بعد شهرين من ترمله فيجثو مستغفرا على قدميك.
فنهضت إلى منضدة عليها أدوات الكتابة، وأخذت ورقة فكتبت عليها حوالة على أحد مصارف باريس بخمسمائة ألف فرنك، فدفعته إلي وهي تقول: خذ هذا المبلغ لنفقاتك الأولية.
ثم كتبت لي تعهدا بالملايين الخمسة أقبضها حين انتهاء العمل، فأخذت الحوالة والتعهد وقلت: إني مسافر غدا إلى باريس، فاصبري وكوني على ثقة مني، فإذا ورد إليك كتاب من بوجيفال قرب باريس دون توقيع أدعوك فيه للحضور؛ فاحضري في الحال.
ثم تركتها ومضيت وبعد يومين سافرت إلى باريس.
Bog aan la aqoon