فابتسم أرمان وهو يعلم أن امرأته قد أرادت أن تتنصل بهذا الكلام العذب من مخاوفها، فقال لها: ليطمئن قلبك أيتها الحبيبة؛ فإن أخي فارقنا فراقا لا لقاء بعده. ثم سكت هنيهة سكوت المتأمل وقال: إنني في اليوم الثاني من زواجنا أرسلت مع ليون رولاند مائتي فرنك هبة إلى هذا الأخ الجبار، وتعهد لي في مقابل ذلك تعهدا كتابيا أن يبرح فرنسا إلى أميركا، حيث يجد مجالا متسعا للذنوب أو للنسيان أو للندم، ولا أعلم ما من أمره بعد ذاك، غير أني وثقت أنه سافر إلى أميركا، كما علمت من تقارير البوليس السري الذي لا تخفاه خافية.
وقبل أن يتم أرمان حديثه سمع سائق المركبة يصيح منذعرا ويقول: احذر. ثم أوقف المركبة مضطرا بعد أن كرر الإنذار مرارا.
فاضطرب الزوجان وسأل أرمان السائق عما أصابه، فأجابه وقد سكن روعه لزوال الخطر: لقيت رجلا منطرحا على الطريق، فما استطعت اجتنابه لضيق الطريق، ولم يسمع صوت تحذيري ويجتنب الخطر. - إنه سكران ولا ريب. ثم نادى واحدا من الخادمين اللذين كانا في مؤخر المركبة، وقال له: اذهب وانظر في شأن هذا الرجل.
ثم لم يتمالك أن ذهب في إثره وخرج من المركبة، وتبعته امرأته حتى أشرفا على الرجل الممدد على الطريق، وإذا به رجل حافي القدمين ممزق الملابس، وعلائم الشقاء بادية على وجهه الضئيل، وهو في حالة تقرب من الإغماء.
فأشفقت حنة عليه وقالت: يا له من بائس مسكين! لقد قتله الجوع.
ونادى أرمان أحد خدمه قائلا: أسرع بزجاجة الشراب.
ثم أخذها من الخادم، وجعل يسقي بيده من شرابها المنعش ذاك الرجل المسكين، غير أنه لم يلبث أن حدق به حتى اضطرب قائلا: ما هذا الشبه الغريب؟! إنه لا يفرق عن أخي بشيء! ودنت منه حنة أيضا، ورجعت إلى الوراء منذعرة وقالت: هو بعينه ولا مجال للريب.
وأقام أرمان هنيهة وهو مكب عليه ينشقه الروائح المنعشة حتى استفاق من إغمائه، فجعل يقول بصوت متقطع كصوت الحالم: لقد عضني الجوع. أين أنا؟ كيف سقطت في الأرض؟
ثم جعل يقلب طرفه بين الحاضرين حتى استقر على أرمان، فحدق به تحديق المنذهل، ثم ظهرت عليه دلائل الخوف والذعر حين تبينه، فأجفل وحاول التخلص من يديه، ولكن رجليه لم تقويا على حمله، فسقط ثانية على الأرض.
ولما رآه أرمان على هذه الحال جال الدمع في عينيه من الحنو، وصاح به: أأنت أندريا؟
Bog aan la aqoon