فلما كان العبد بهذه الصفة، أمر بالمجاهدة، فقال ﷿: (وجاهدوا في الله حق جهاده). ثم لما علم المجاهدة تشتد وتصلب على العباد، أخبرهم عن منته وحسن صنيعه، وبره ولطفه بهم فقال ﷿: (وهو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج)، يعلمهم أنه لو لم يجتبهم، ولم يوقع اختياره عليهم، وما كانوا ينالون نور الرحمة ونور المعرفة، وكانوا أسارى في يد العدو، وحطبًا للنار، فأخبرهم أنه
اجتباهم، ثم قال ﷿: (ما جعل عليكم في الدين من حرج). يعلمهم أنى حين ألزمت جوارحكم أمري ونهي، لم أضيق عليكم حتى تحرجوا، بل أبحت لكم، ووسعت عليكم مالا يضيق عليكم، حتى تفزعوا إلى الحرام، ولم أحملكم فرائضي حملًا تعجزون عنه، ووسعت لكم في كل فريضة ما لم يضيق عليكم، وكل شهوة منعتكم عنها، أطلقت لكم من بعضها، فوضعت على كل جارحة من هذه السبع حدًا، ووكلتكم بخفظها. والجوارح السبع هي اللسان، والسمع، والبصر، واليدان، والرجلان، والبطن، والفرج، وجعلت مستقر هذه الشهوة في البطن، فإن اشتهى الكلام خرج سلطان تلك الشهوة إلى الصدور إلى القلب، والقلب أمير على هذه الجوارح، فإذا غلب سلطان الشهوة وحلاوتها ولذتها على القلب،
1 / 36