وإن تردت في جرف فتكسرت، عمد إلى ما تكسر منها، فجبرها حتى تجبر، وإن عرضت لها السباع ذاد عنها وطردها، وما وجدها فريسة استلبها من مخالبها وأنيابها، فداواها حتى تبرأ؛ فوكل العبد بجوارحه السبع ليحفظها، حتى لا تتعدى الحدود، فإنه إذا تعدى الحدود، وعصى الله ﷿، وخان الأمانة، وظلم نفسه، وسقطت منزلته، فبعد عن الله ﷿، فإذا بعد عنه تباعد عن الرحمة، وصار مرفوضًا مخذولًا، فأسره العدو، وذهب به إلى النار، لأنه إذا أسره العدو ذهبت قوة القلب، واستولت النفس، فمرت في كل شهوة جزافًا، فلم تبال حلالًا ولا حرامًا، فهلكت. فهذا شأن العبد في حفظ الجوارح، قال الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)، ثم قال الله ﷿: (أولئك في جنات مكرمون).
حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا جرير، عن ليث، عن أبن أبي نجيح، عن عمر عبد الله بن عمر ﵁، قال: أول ما خلق الله من الإنسان فرجه، فقال له: هذه أمانة خبأتها عندك، فلا ترسل منها شيئًا إلا بحقها، فالفرج أمانة، والبصر
أمانة، والسمع أمانة واللسان أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، والبطن أمانة، فإنما بدأ بالفرج، لأن جميع الأفراح تجتمع عند استعماله، وهو أقوى اللذات، وبه دخل النار أهله، وقيل: يا رسول الله، ما يدخل الناس النار؟ قال: الأجوفان: البطن والفرج،
1 / 50