لأن الله ﷿ أوله قلوب العباد إلى ألوهيته، فمن صان قلبه عما تورد النفس عليه، بقى قلبه مع الله ﷿ في جميع الأحوال، فهو أبدا واله بالله ﷿، والوله تعلق القلب به، ومن لم يصن قلبه حتى أوردت النفس عليه أفراحها التي أورد عليها الهوى من باب النار، فقد صار وله قلبه إلى الهوى. فالصائن أوله قلبه الله بأفراحه وحبه. والتارك للصيانة أوله قلبه الهوى بأفراحه إلى باب النار، ولجت تلك الزينة. فالكيس لما أبصر هذا التدبير من الله تعالى أنه خلق الآدمي هكذا، وجعل فيه قلبًا ونفسًا، ثم جعل للقلوب محلًا في عظمته، حتى تسير القلوب إلى ذلك المحل، فيكون مقامها هناك حتى إذا صار القلب إلى أن يستعمل جوارحه استعملها بذكره، معظمها لشأنه، حافظًا
لحدوده في جميع حركات جوارحه، مؤتمرًا بأمره، متناهيًا عن نهيه وإن دق، مراعيا لتدبيره، راضيا بحكمه، وذلك كله لقوة ما يلاحظه من عظمته وجلاله بين يديه، فيخشاه ويتقيه، ويخافه ويرجوه، ويستحي منه ويهابه ويعظمه، وخلق بباب النار هذه الأفراح والزينة من النار، وحفت النار بها، ثم خلق الهوى وأصله من الشيطان، فمر بهذه الأفراح إلى نفس هذا الآدمي، حتى تستعمل هذه الأشياء الملائمة لها، اللينة في ذاتها، الناعمة لجسدها، بذلك الفرح، فابتلى عباده بهذين الفرحين، فرح هناك بين يدي عظمته ومحله القلوب، وفرح هاهنا يورده الهوى، فيزيله الهوى عن ذلك الوله الذي في ذلك المحل، فيرده من هناك إلى ما هاهنا، فمن التفت عن ذلك الوله إلى هذا الوله، حجب عن الله ﷿، ونفى عن الوله، ورجع قلبه لما رجعت النفس إلى هذا الوله الذي أولهه الهوى، فخاب وخسر،
1 / 46