فقالت مصباح النواظر وراحة الأرواح والخواطر، وصقل الإفهام، ونهاية الأقدام، ودرة الغواص، وظبية القناص، وفتنة العام والخاص، اعلمن انه لا نجاة له من الغرام، ولا شفاء من السقام، قد أسرته تلك الإشارات، وقادته إلى الهوى آياته البينات، كم أدعي الحماسة يوم الجلاد، فغادرته تلك المقامات، مسلوب الفؤاد، وحملته العين على تقتحم الخطر، وساقه إلى الصبابة الجمال المعتبر، وملكته العيون، وسلبته السكون، وانتم إخوان الصفاء، وذوات الوفاء، والظفر بمثله غنيمة باردة ونعمة زائدة، وإهمال أمره دليل على فساد الرأي وأفنه، والاهتمام بما يحفظ وده صواب تفهم المصالح من ضمنه، وأنا أرى أنا متى زرناه استحكم وجده، وكمده وغلب صبره وجلده، والمصلحة أن تنفذ إليه من يعرفه. مواقع هذه المنة وينبهه على قطف ثمار الجنة، والتفتت كالظبي إذا رنا، والغصن إذا انثنى فرأتني مستترا وأنا ارعد حذرا، فقالت: هلم يا غلام واقر أستاذك السلام، وقل قد أظفرك حكم القدر المتاح، ونحن ضيوفك إلى الصباح، فهيئ جميع الأسباب، وانظرنا عند الباب، وأخل الدار من الأغيار، واشكر معاونة الأقدار، وانشده عني وصرح ولا تكني: من المنشرح
جاد بما تطلبه الدهر ... وزار في جنح الدجى البدر
أحوى رشيق القد فتانه ... يخجل منه الغصن النضر
في لفظه خمر وفي ريقه ... خمر وفي وجنته خمر
فقلت: جعلت فداك، ومن أستاذي الذي ابلغه معنى هذا الكلام، ومن أنا من هذا الأنام، ومن الذي ابشره، وما البشارة، والى من وقعت هذه الإشارة، فقالت: ويلك عد عن الإطالة، فما أنفذت إلا لهذه الحالة، فقد جاءكم ما لم يكن في الحساب، ولعن الله رزقا لا يدق الباب، وقد كنتم تقنعون من العين بالأثر، ومن العيان بالخبر، فدع موارد النزاع والصداع، فقد كشفنا عن القناع، وسارعنا إلى اللقاء مع اقرب العهد بالوداع، وانشده: من الخفيف كنت ترضى بالطيف إن عاود النوم جفونا كما زعمت قصارا فجرت بالذي تريد المقادير ووافاك من تحب وزارا فلم املك إعادة جواب، ولا إطالة خطاب، وقد سابقت إليك هوج الرياح، وأتيتك في الليل بشمس الصباح، فقم على قدميك، وتلق بالترحاب من قدم إليك، فهذا لم يكن ببالك، ولا تصور في خيالك، وانشد أبياتك الأمثال في وصفك هذه الحال: من السريع
أهلا وسهلا بك من مؤنس ... ينظر عن طرف الطلا النافر
أهلا وسهلا بك من زائر ... يخجل نور القمر الزاهر
أهلا وسهلا بك يا نزهه ... وراحة للقلب والناظر
رددت بالقرب من زمان الصبى ... وطيب عيشى السالف الغابر
وعيشة دلت على حاجز ... جاد الحيا السكب ربا حاجز
فكدت أطير فرحا بخبره السار، وقمت مرحا إلى باب الدار، وقلت رح إلى تلقي الضيف الكريم، وعد أمامه على خط مستقيم، واختصر الطريق، وأحذر التعويق، فقلبي إلى قدومه مائل، ودمع الفرح على خدي سائل، فمر يعد ووقفت أشدو: من المنسرح
إن تم ما جاء رسولي به ... غفرت ما أسلفه الدهر
وإن وفا الحب بميعاده ... وبات عندي ولي الأمر
سمحت بالنفس جزاء له ... إذ لا يؤدي حقه الشكر
وإنا في أثناء ذلك على مثل حر النار، من طول الترقب والانتظار، استنشق ريا الوصل من جهته، وأتطلع إلى قدومه وأوبته، فإذا به قد عاد تاعسا، جده خائبا، قصده مغلولا حده، كابيا زنده، باديا وجومه، زائدة همومه، متجهمة أسرته، نائية مسرته، قد عبس وجهه، واتجه عبوسه، وشمس غائبه، وغابت شموسه، وخبت نار نشاطه، وانقبض بعد انبساطه: من الطويل
وأدمعه تجري على صحن خده ... ونار الأسى تذكي بأضلعه جمرا
وقد صعدت أنفاسه عبراته ... فمقلته عبرى ومهجته حرى
1 / 9