إِلَى مَا كَانَت تتلمسه بصيرته باصطفائه لرسالته واختياره من بَين خلقه لتقرير شَرِيعَته
وجد شَيْئا من المَال يسد حَاجته وَقد كَانَ لَهُ فى الاستزادة مِنْهُ مَا يرفه معيشته بِمَا عمل لِخَدِيجَة رضى الله عَنْهَا فى تجارتها وَبِمَا اختارته بعد ذَلِك زوجا لَهَا وَكَانَ فِيمَا يجتنيه من ثَمَرَة عمله غناء لَهُ وَعون على بُلُوغه مَا كَانَ عَلَيْهِ أعاظم قومه لكنه لم ترقه الدُّنْيَا وَلم تغره زخارفها وَلم يسْلك مَا كَانَ يسلكه مثله فى الْوُصُول إِلَى مَا ترغبه الْأَنْفس من نعيمها بل كلما تقدم بِهِ السن زَادَت فِيهِ الرَّغْبَة عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الكافة ونما فِيهِ حب الِانْفِرَاد والانقطاع إِلَى الْفِكر والمراقبة والتحنث بمناجاة الله تَعَالَى والتوسل إِلَيْهِ فى طلب الْمخْرج من همه الْأَعْظَم فى تَخْلِيص قومه وَنَجَاة الْعَالم من الشَّرّ الذى تولاه إِلَى أَن أنفتق لَهُ الْحجاب عَن عَالم كَانَ يحثه إِلَيْهِ الإلهام الإلهى وتجلى عَلَيْهِ النُّور القدسى وَهَبَطَ عَلَيْهِ الوحى من الْمقَام العلى فى تَفْصِيل لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه
لم يكن من آبَائِهِ ملك فَيُطَالب بِمَا سلب من ملكه وَكَانَت نفوس قومه فى انصراف تَامّ عَن طلب مناصب السُّلْطَان وفى قناعة بِمَا وجدوه من شرف النِّسْبَة إِلَى الْمَكَان دلّ عَلَيْهِمَا مَا فعل جده عبد الْمطلب عِنْد زحف أَبْرَهَة الحبشى على دِيَارهمْ جَاءَ الحبشى لينتقم من الْعَرَب بهدم معبدهم الْعَام وبيتهم الْحَرَام ومنتجع حجيجهم ومستوى الْعلية من آلِهَتهم ومنتهى حجَّة القرشيين فى مفاخرتهم لبنى قَومهمْ وَتقدم بعض جنده فاستاق عددا من الْإِبِل فِيهَا لعبد الْمطلب مِائَتَا بعير وَخرج عبد الْمطلب فى بعض قُرَيْش لمقابلة الْملك فاستدناه وَسَأَلَهُ حَاجته فَقَالَ هى أَن ترد إِلَى مائتى بعير أصبتها إِلَى فلامه الْملك على الْمطلب الحقير وَقت الْخطب الخطير فَأَجَابَهُ أَنا رب الأبل أما الْبَيْت فَلهُ رب يحميه هَذَا غَايَة مَا ينتهى إِلَيْهِ الإستسلام وَعبد الْمطلب فى مَكَانَهُ من الرياسة على قُرَيْش فَأَيْنَ من تِلْكَ المكانة مُحَمَّد ﷺ فى حَالَة من الْفقر ومقامه فى الْوسط من طَبَقَات أَهله حَتَّى ينتجع ملكا أَو يطْلب سُلْطَانا لَا مَال لَا جاه لَا جند لَا أعوان لَا سليقة فى الشّعْر لَا براعة فى الْكتاب لَا شهرة فى الْخطاب
1 / 72