على أشعة البصيرة أَن تنفذ إِلَى فهم مَا أودعهُ من معارف وَأَحْكَام فَنَقُول لَو كَانَ الْأَمر كَمَا عساه أَن يُقَال لما كَانَ الدّين علما يهتدى بِهِ وَإِنَّمَا الذى سبق تَقْرِيره هُوَ أَن الْعقل وَحده لَا يسْتَقلّ بالوصول إِلَى مَا فِيهِ سَعَادَة الْأُمَم بِدُونِ مرشد إلهى كَمَا لَا يسْتَقلّ الْحَيَوَان فى دَرك جَمِيع المحسوسات بحاسة الْبَصَر وَحدهَا بل لَا بُد مَعهَا من السّمع لإدراك المسموعات مثلا كَذَلِك الدّين هُوَ حاسة عَامَّة لكشف مَا يشْتَبه على الْعقل من وَسَائِل السعادات وَالْعقل هُوَ صَاحب السُّلْطَان فى معرفَة تِلْكَ الحاسة وتصريفها فِيمَا منحت لأَجله والإذعان لما تكشف لَهُ من معتقدات وحدود أَعمال كَيفَ يُنكر على الْعقل حَقه فى ذَلِك وَهُوَ الذى ينظر فى أدلتها ليصل مِنْهَا إِلَى مَعْرفَتهَا وَأَنَّهَا آتِيَة من قبل الله وَإِنَّمَا على الْعقل بعد التَّصْدِيق برسالة نبى أَن يصدق بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَإِن لم يسْتَطع الْوُصُول إِلَى كنه بعضه والنفوذ إِلَى حَقِيقَته وَلَا يقْضى عَلَيْهِ ذَلِك بِقبُول مَا هُوَ من بَاب الْمحَال الْمُؤَدى إِلَى مثل الْجمع بَين النقيضين أَو بَين الضدين فى مَوْضُوع وَاحِد فى آن وَاحِد فَإِن ذَلِك مِمَّا تتنزه النبوات عَن أَن تأتى بِهِ فَإِن جَاءَ مَا يُوهم ظَاهره ذَلِك فى شَيْء مَا الْوَارِد فِيهَا وَجب على الْعقل أَن يعْتَقد أَن الظَّاهِر غير مُرَاد وَله الْخِيَار بعد ذَلِك فى التَّأْوِيل مسترشدا بِبَقِيَّة مَا جَاءَ على لِسَان من ورد الْمُتَشَابه فى كَلَامه وفى التَّفْوِيض إِلَى الله فى علمه وفى سلفنا من الناجين من أَخذ بِالْأولِ وَمِنْهُم من أَخذ بالثانى
رِسَالَة مُحَمَّد ﷺ
لَيْسَ من غرضنا فى هَذِه الوريقات أَن نلما بتاريخ الْأُمَم عَامَّة وتاريخ الْعَرَب خَاصَّة فى زمن الْبعْثَة المحمدية لنبين كَيفَ كَانَت حَاجَة سكان الأَرْض ماسة إِلَى قَارِعَة تهز عروش الْمُلُوك وتزلزل قَوَاعِد سلطانهم الغاشم وتخفض من أَبْصَارهم المعقودة بعنان السَّمَاء إِلَى من دونهم من رعاياهم الضُّعَفَاء وَإِلَى نَار تنقض من سَمَاء الْحق على أَدَم الْأَنْفس البشرية لتأكل مَا عشوشبت بِهِ من الأباطيل القاتلة للعقول وصيحة فصحى تزعج الغافلين وَترجع بِالْبَابِ الذاهلين وتنبه المرءوسين
1 / 68