وُقُوع الْوَحْي والرسالة
الدَّلِيل على رِسَالَة نبى وَصدقه فِيمَا يحْكى عَن ربه ظَاهر للشَّاهِد الذى يرى حَاله ويبصر مَا آتَاهُ الله من الْآيَات الْبَينَات ويحقق بالعيان مَا يُغْنِيه عَن الْبَيَان كَمَا سلف فى الْوَجْه الأول من الْكَلَام على الرسَالَة أما للْغَائِب عَن زمن الْبعْثَة فدليلها التَّوَاتُر وَهُوَ كَمَا تبين فى علم آخر رِوَايَة خبر عَن مشهود من جمَاعَة يَسْتَحِيل تواطؤهم على الْكَذِب وآيته قهر النَّفس على الْيَقِين بِمَا جَاءَ فِيهِ كالإخبار بِوُجُود مَكَّة أَو بِأَن للصين عَاصِمَة تسمى بكين وَسبب اسْتِحَالَة التواطؤ على الْكَذِب اسْتِيفَاء الْخَبَر لشرائط مَعْلُومَة وخلوه من عوارض تضعف الثِّقَة بِهِ ومرجع كل ذَلِك إِلَى الْعدَد وَبعد الراوى عَن التَّشَيُّع لمضمون الْخَبَر
لَا نزاع بَين الْعُقَلَاء فى أَن هَذَا النَّوْع من الْأَخْبَار يحصل الْيَقِين بالمخبر بِهِ وَإِنَّمَا النزاع فى اعتبارات تتَعَلَّق بِهِ وَمن الْأَنْبِيَاء مَا استوفى الْخَبَر عَنْهُم شَرَائِط التَّوَاتُر كابراهيم ومُوسَى وَعِيسَى وَمِمَّا جَاءَ بِهِ الْخَبَر أَنهم لم يَكُونُوا فِيمَن بعثوا بَينهم بالأقوى سُلْطَانا وَلَا بِالْأَكْثَرِ مَالا وَلم يختصهم أحد بالعناية بهم لتعليمهم علم مَا ادعوا إِلَيْهِ وَغَايَة الْأَمر أَنهم لم يَكُونُوا من الأدنين الَّذين تعافهم النُّفُوس وتنبو عَنْهُم الأنظار وَمَعَ ذَلِك واستحكام السُّلْطَان لغَيرهم ووفرة المَال لَدَيْهِ واستعلائه عَلَيْهِم بِمَا كسب من الْعلم قَامُوا بدعوة إِلَى الله على رغم الْمُلُوك وأجنادهم وصاحوا بهم صَيْحَة زلزلتهم فى عروشهم وَادعوا أَنهم يبلغون عَن خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض مَا أَرَادَ شَرعه للنَّاس وَأَقَامُوا من الدَّلِيل مَا تصاغرت دونه قُوَّة الْمُعَارضَة ثمَّ ثبتَتْ فى الْكَوْن شرائعهم ثبات الغريزة فِي الْفطر وَكَانَ الْخَيْر لأممهم فى اتِّبَاع مَا جَاءُوا بِهِ حالفتهم الْقُوَّة واحتضنتهم السَّعَادَة مَا كَانُوا قَائِمين عَلَيْهَا ورزأهم الضعْف وغالبهم الشَّقَاء مَا انحرفوا عَنْهَا وخلطوا فِيهَا فَهَذَا وَمَا أقاموه من الْأَدِلَّة عِنْد التحدى لَا يَصح مَعَه فى الْعقل أَن يَكُونُوا كاذبين فى حَدِيثهمْ عَن الله وَلَا فى دَعوَاهُم أَنه كَانَ يُوحى إِلَيْهِم مَا شرعوا للنَّاس على أَن من لَا يعْتَقد مَا يَقُول لَا يبْقى لمقاله أثر فى الْعُقُول وَالْبَاطِل لابقاء لَهُ إِلَّا فى الْغَفْلَة عَنهُ كالنبات الْخَبيث فى الأَرْض الطّيبَة
1 / 61