مِنْهُ ذَهَبُوا إِلَى أَن الْعقل والفكر ليسَا بكافيين للإرشاد فى عمل مَا أَو إِلَى أَنه لَا يُمكن لِلْعَقْلِ أَن يُوقن باعتقاد وَلَا للفكر أَن يصل إِلَى مَجْهُول بل قَالُوا أَن لَا وجود للْعَالم إِلَّا فى اختراع الخيال وَإِنَّهُم شاكون حَتَّى فى أَنهم شاكون وَلم يطعن شذوذ هَؤُلَاءِ فى صِحَة الإلهام الْعَام الْمشعر لسَائِر أَفْرَاد النَّوْع أَن الْفِكر وَالْعقل هما ركن الْحَيَاة وأس الْبَقَاء إِلَى الْأَجَل الْمَحْدُود كَذَلِك قد ألهمت الْعُقُول وأشعرت النُّفُوس أَن هَذَا الْعُمر الْقصير لَيْسَ هُوَ مُنْتَهى مَا للْإنْسَان فى الْوُجُود بل الْإِنْسَان ينْزع هَذَا الْجَسَد كَمَا ينْزع الثَّوْب عَن الْبدن ثمَّ يكون حَيا بَاقِيا فى طور آخر وَإِن لم يدْرك كنهه ذَلِك إلهام يكَاد يزاحم البديهة فى الْجلاء يشْعر كل نفس أَنَّهَا خلقت مستعدة لقبُول مَعْلُومَات غير متناهية من طرق غير محصورة شيقة إِلَى لذائذ غير محدودة وَلَا واقفة عِنْد غَايَة مهيأة لدرجات من الْكَمَال لَا تحددها أَطْرَاف الْمَرَاتِب والغايات معرضة لآلام من الشَّهَوَات ونزعات الْأَهْوَاء ونزوات الْأَمْرَاض على الأجساد ومصارعة الأجواء والحاجات وضروب من مثل ذَلِك لَا تدخل تَحت عَدو لَا تنتهى عِنْد حد إلهام يسلفنها بعد هَذَا الشُّعُور إِلَى أَن واهب الْوُجُود للأنواع إِنَّمَا قدر الاستعداد بِقدر الْحَاجة فى الْبَقَاء وَلم يعْهَد فى تصرفه الْعَبَث والكيل الْجزَاف فَمَا كَانَ استعداده لقبُول مَالا يتناهى من مَعْلُومَات وآلام ولذائذ وكمالات لَا يَصح أَن يكون بَقَاؤُهُ قاصرا على أَيَّام أَو سِنِين معدودات
شُعُور بهيج بالأرواح إِلَى تحسس هَذَا الْبَقَاء الأبدى وَمَا عَسى أَن تكون عَلَيْهِ مَتى وصلت إِلَيْهِ وَكَيف الاهتداء وَأَيْنَ السَّبِيل وَقد غَابَ الْمَطْلُوب وأعوز الدَّلِيل شعورنا بِالْحَاجةِ إِلَى اسْتِعْمَال عقولنا فى تَقْوِيم هَذِه الْمَعيشَة القصيرة الأمد لم يكفنا فى الاسْتقَامَة على الْمنْهَج الأقوم بل لزمتنا الْحَاجة إِلَى التَّعْلِيم والإرشاد وَقَضَاء الْأَزْمِنَة والأعصار فى تَقْوِيم الأنظار وتعديل الأفكار وَإِصْلَاح الوجدان وتثقيف الأذهان وَلَا تزَال إِلَى الْآن من هم هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا فى اضْطِرَاب لَا ندرى مَتى نخلص مِنْهُ وفى شوق إِلَى طمأنينة لَا تعلم مَتى تنتهى إِلَيْهَا
1 / 48