بِهِ غَيرهم فى مقامات عرفانهم لَكِنَّهَا لَا تحتم إِلَّا مَا فِيهِ الْكِفَايَة للعامة فَجَاءَت النبوات مُطَالبَة بالاعتقاد بِوُجُود الله وبوحدانيته وبالصفات الَّتِى أثبتناها على الْوَجْه الذى بَيناهُ وأرشدت إِلَى طرق الِاسْتِدْلَال على ذَلِك فوجوب الْمعرفَة على هَذَا الْوَجْه الْمَخْصُوص وَحسن الْمعرفَة وحظر الْجَهَالَة أَو الْجُحُود بشىء مِمَّا أوجبه الشَّرْع فى ذَلِك وقبحه مِمَّا لَا يعرف إِلَّا من طَرِيق الشَّرْع معرفَة تطمئِن بهَا النَّفس وَلَو اسْتَقل عقل بشرى بذلك لم يكن على الطَّرِيق الْمَطْلُوب من الْجَزْم وَالْيَقِين والاقتناع الذى هُوَ عماد الطُّمَأْنِينَة فان زيد على ذَلِك أَن الْعرْفَان على مَا بَينه الشَّرْع يسْتَحق المثوبة الْمعينَة فِيهِ وضده يسْتَحق الْعقُوبَة الَّتِى نَص عَلَيْهَا كَانَت طَرِيق معرفَة الْوُجُوب شَرْعِيَّة مَحْضَة غير أَن ذَلِك لَا ينافى أَن معرفَة الله على هَذِه الصّفة حَسَنَة فى نَفسهَا وَإِنَّمَا جَاءَ الشَّرْع مُبينًا للْوَاقِع فَهُوَ لَيْسَ مُحدث الْحسن ونصوصه تؤيد ذَلِك وأذكر مِثَالا من كثير قَالَ تَعَالَى على لِسَان يُوسُف أأرباب متفرقون خير أم الْوَاحِد القهار يُشِير بذلك اشارة وَاضِحَة إِلَى أَن تفرق الْآلهَة يفرق بَين الْبشر فى وجهة قُلُوبهم إِلَى أعظم سُلْطَان يتخذونه فَوق قوتهم وَهُوَ يذهب بِكُل فريق إِلَى التعصب لما وَجه قلبه إِلَيْهِ وفى ذَلِك فَسَاد نظامهم كَمَا لَا يخفى أما اعْتِقَاد جَمِيعهم بإله وَاحِد فَهُوَ تَوْحِيد لمنازع نُفُوسهم إِلَى سُلْطَان وَاحِد يخضع الْجَمِيع لحكمه وفى ذَلِك نظام أخوتهم وهى قَاعِدَة سعاتهم وإليها مآلهم فِيمَا أعتقد وَإِن طَال الزَّمن فَكَمَا جَاءَ الشَّرْع مطالبا بالاعتقاد جَاءَ هاديا لوجه الْحسن فِيهِ
النُّبُوَّة تحدد أَنْوَاع الْأَعْمَال الَّتِى تناط بهَا سَعَادَة الْإِنْسَان فى الدَّاريْنِ وتطالبه عَن الله بِالْوُقُوفِ عِنْد الْحُدُود الَّتِى حددتها وَكَثِيرًا مَا تبين لَهُ مَعَ ذَلِك وُجُوه الْحسن أَو الْقبْح فِيمَا أَمر بِهِ أَو نهى عَنهُ فوجوب عمل من الْمَأْمُور بِهِ أَو النّدب إِلَيْهِ وحظر عمل كَرَاهَته من المنهى عَنهُ الذى على الْوَجْه الذى حددته الشَّرِيعَة وعَلى أَنه مثاب عَلَيْهِ بِأَجْر كَذَا ومجازى عَلَيْهِ بعقوبة كَذَا مِمَّا لَا يسْتَقلّ الْعقل بمعرفته بل طَريقَة مَعْرفَته شَرْعِيَّة وَهُوَ لَا ينافى أَيْضا أَن يكون الْمَأْمُور بِهِ حسنا فى ذَاته بِمَعْنى أَنه مِمَّا يُؤدى إِلَى مَنْفَعَة دنيوية أَو أخروية بِاعْتِبَار أَثَره فى أَحْوَال
1 / 43