ويقسمون الشكل إلى قسمين: الشكل الميكانيكي، أو الإطار الصناعي، أو القالب. والقسم الثاني: القسم الغريزي
inslinctive form ، أما الشكل الميكانيكي فهو المتبع بين أكثر الكتاب الكبار، مثل «بينت» و«جالسورتي» و«ولز»، وقد كان «بينت» أكثر الكتاب عناية بهذا الشكل الميكانيكي، بحيث إن الشكل عنده قد شبه ببناء هندسي تام الأبواب والنوافذ بحيث لا نجد منفذا واحدا تتسرب الريح من خلاله.
ولكن مبتدع الشكل الغريزي وهو «لورانس» يقول: دعوا القصة تطابق الشجرة النامية؛ أي إنها تنبت جذعا ثم تتفرع أفرعا، ثم تورق ثم تثمر.
أي إن شكل القصة يجب أن يتكون من نموها الداخلي، فهو هذا الذي يحدد الشكل الخارجي، بينما المذهب الميكانيكي يبني البيت أولا ثم يملؤه بالأثاث والسكان، وبعبارة أخرى: مذهب يبدأ من الخارج إلى الداخل، ومذهب يبدأ من الداخل إلى الخارج، على أن المذهب الأخير مذهب «لورانس» و«فرجينيا دولف» مذهب خطير جدا، فهو مذهب حر مبني على استجابات ودوافع داروينية محضة، أساسها التفاعل بين الإنسان والإنسان، والإنسان والبيئة، والإنسان والحوادث، فليس هناك عقدة ولا حبكة، بل تفاعل مستمر، يتضح من ذلك أن القصة تماثل فيلما ملونا سريعا خاطفا، ويتضح كذلك أن الفرق بين المبدئين هو الفرق بين ما هو مادي وبين ما هو غير مادي، بين ما هو كلاسيكي يجري على قاعدة ويتقيد بأوضاع، وبين ما هو حر لا يتقيد بأوضاع غير ما تمليه الحياة ذاتها.
وقد يخيل إلينا أن أصحاب المذهب المادي كانوا يعانون في «بناء» القصة نصبا وتعبا، بينما أصحاب المذهب الحر يستسلمون لفوضى لا تكلفهم أي عناء.
حقيقة إن أبناء المذهب المادي، لكي يكون البناء متناسقا فخما كاملا، كانوا يعانون مجهودا ضخما جبارا في سبيل ذلك؛ فإن «فلوبير» كان يحبس نفسه في غرفته أياما بحالها من أجل كلمة، وأحيانا يخرج إلى الشارع كالمجنون وهو يشد شعره.
وقد ذكرت حكاية لطيفة عن «ثاكراي»؛ فقد اعتذر عن ليلة ساهرة لأصحابه؛ لأنه يريد أن يكتب فصلا في روايته الخالدة «فانيتي فير» فأراد أصحابه أن يداعبوه، فأقبلوا على منزله في آخر السهرة وفاجئوه وهو يكتب، فوجدوا أنه لم يكتب غير اثني عشر سطرا من خطه المنمق الصغير.
على أننا يجب أن نصرح أن المذهب الحر، في أيد غير أيدي «وولف» و«جويس» و«لورنس»، يؤدي إلى فوضى لا قرار لها، وقد كان «لورنس» شديد العناية بعمله عناية فائقة، وكان يتوخى تجنب هذه الفوضى التي قد يؤدي إليها المذهب الغريزي في القصة، فما يروى عنه أنه كان يكتب القصة لآخرها، وأحيانا كان لا يرضى عنها فيمزقها إربا ويبدؤها من جديد.
هذا فيما يختص بالمذهبين القائمين اليوم، ولنا عودة إليهما بعد حين.
فالآن أتحدث عن «الأشخاص» في القصة: إن الحديث عن الأشخاص يعود بنا إلى التجربة الشعرية في القصة.
Bog aan la aqoon