- 6 - رسالة البيان عن حقيقة الإيمان

كتب بها رضي الله عنه إلى أبي أحمد عبد الرحمن بن خلف المعافري الطليطلي المعروف بابن الحوات ( 1 ) ، رضي الله عنه

[ 190 ب ] بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه نستعين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله قال الفقيه الحافظ أبو محمد علي بن حزم رضي الله عنه :

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد خاتم النبيين ، وعلى آله الطيبين ، وأزواجه أمهات المؤمنين ، وذريته الفاضلين ، وسلم تسليما كثيرا وبعد ، فإنه وردني يا سيدي وأخي كتابك ، أكرم كتب الأحبة في الله عز وجل ، وحمدت الله تعالى عز وجل على ما أدى إليه من صلاح حالك . وأورد علي صاحبنا أبو عبد الله محمد بن الحسن ( 2 ) - أكرمه الله - من خبرك ما أبهجني ، وملأ نفسي سرورا ، فلن تزال الدنيا بخير ، ما دام مثلك مرفوع اللواء ، معمور الفناء ، وحمدت الله عز وجل على ما ذكرته فيه من حسن معتقدك لي ، فهذا الذي يلزم بعضنا لبعض ، فنحن غرباء بين المتعصبين على من سلم لهم دنياهم ، ليسلم له دينه ، ووقفت على قولك فيه : إنه لولا خوف المشغبين ، وما دهينا ( 3 ) به من ترؤس الجاهلين ، لكتبت أقوالك ومذاهبك وبثثتها

Bogga 187

في العالم ، وناديت عليها كما ينادى على السلع.

1 - فاعلم يا أخي - وفقنا الله وإياك - أن خوفك المشغبين لا يكف عنك غرب أذاهم ، لو قدروا لك على مضرة ، وان كشفك الحق وصدعك به لا يقدم إليك مؤخرا عنك أتخشون الناس { فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } ( التوبة : 13 ) . يقول الواحد الأول خالقنا لا إله إلا هو { فلا تخافوهم وخافون } ( آل عمران : 175 ) .

2 - يا أخي : اجتهد لربك ، وادع إليه وخفه في الناس ، يكفك الله تعالى أمرهم ، ولا تخفهم فيه ، فيدعك وإياهم ، وأعوذ بالله ، قد سبق ، قد سبق القضاء بما هو كائن فلن يرده حيلة محتال ، وكائن بالموت قد نزل ، فتركت ( 1 ) من تداريهم مسرورين بذهابك ، لا ينفعونك بنافعة . واذكر قول نبيك محمد عليه السلام لعلي رضي الله عنه ( 2 ) ' لأن [ 91 / أ ] يهدي الله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ' .

3 - ولقد أضحكني قولك : إنك علمت من مذهبي أني أفصح بكل من قال مقالة ، فخشيت ان أفصح باسمك فيما لم تقله ، فمعاذ الله أن أفصح عنك أو عن غيرك ، إلا باليقين المحض ، وأما إذا علمت أن الأخ من إخواني يكره أن أفصح عنه بمقالة يقولها ، فهي مدفونة خلال الشغاف ، لا سبيل إلى تحريك لساني بها بيني وبين نفسي ، بحيث يمكن أن يسمعني سامع ، فكيف أن أبثها وأما أنا فلست أكره أن تبث عني ما أقوله على حسبه .

4 - وأما قولك : أما تقصد إلى ، إلى أن لا يؤثر عنك قول إلا حتى تستخير الله تعالى فيه كثيرا ، وتصحح نيتك في ذلك ، فحسن جدا وحال لا ينبغي لأحد تعديها ( 3 ) .

5 - وأما قولك : حتى إذا بلغت إلى حد الحسبة والصبر ، إن كانت محنة ، تناولت الأوكد فالأوكد ، فحالة أريد ألا تتصورها ولا تتمثلها فإنها مبخلة مجبنة ؛ وتذكر قول العامة : فلان يحب الشهادة والرجوع إلى البيت ؛ مع أني أرجو الكفاية من الله عز وجل والحماية ؛ واذكر قوله ووعده الصادق المضمون عندي إذ يقول

Bogga 188

تعالى { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } ( الحج : 40 ) . والله يا أخي ، ولله الحمد ، لقد حماني تعالى ، وما اعدمني قط من مخالفي مقالتي من يذود عني ويذب عن حوزتي أشد الذب ، وإني لأدعو الله لهم مدى عمري . أولهم القاضي أبو المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن بشر ( 1 ) وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرؤوف ( 2 ) [ صاحب ] الأحكام ( 3 ) - نور الله وجهيهما ، وجازاهما بأفضل سعيهما ، فلقد قام لي منهما ما يقوم من الأخوين المحبين . ثم أبو العاصي حكم بن سعيد ( 4 ) ، غفر الله ذنبه ، وتغمد خطاياه ، وقارضه بالحسنى فإنه أبلى في جانبي أتم بلاء ؛ وما قصر يونس بن عبد الله بن مغيث شيخنا ( 5 ) نضر الله وجهه ، واكرم منقلبه ولقد [ 91 ب ] بلغ أبو جعفر أحمد بن عباس ( 6 ) من ذلك الغاية القصوى ، واستئثار الأجر الجزيل والذكر الجميل . برد الله مضجعه ، ولقاه الروح والريحان ؛ ثم الكاتب الفاضل ذو المآثر العالية والفضائل السامية والأعمال الزاكية والسعي المحمود ، أبو العباس

Bogga 189

المشغوف بالعلم وتقديم الحسنات كشغف غيره بالأموال واللذات ، صديقك ومحبك ومؤثرك ، لا زالت عليه من الله واقية في دنياه ، فلقد هيأه ويسره لمنافع عباده ، وأجرى الصالحات على يده كثيرا ، وألحقه إذا دعاه بنبيه في أعلى عليين ، آمين . وبالله المستعان ، وعليه الاتكال .

6 - أما قولك : إنك تتناول في خلال ما تتناول بضروب من السياسة فحسن جدا ، جعلنا الله وإياك من الداعين إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة .

7 - ومن اعجب ما مر بي منذ دهر قولك في كتابك : إنه بلغك عني أني أقول عنك إنك تقول : لا إدام إلا الخل ؛ من أجل حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ' نعم الإدام الخل ' ( 1 ) . فاعلم - يا أخي - انه قد ساءني هذا جدا أن أكون عندك بهذا المحل ، وأقل ما أقول لك : والله الذي لا أقسم بسواه - ولو علمت أعظم من هذا القسم لأقسمت به لك ، وأعوذ بالله أن أعتقد في العالم قسما غيره ، فكيف مثله ، فكيف أشد منه - إن كنت قط سمعت هذه المقالة من أحد من خلق الله تعالى يحيكها لي عنك ، ولا رأيتها عنك في كتاب ، ولا طنت على أذني حتى رأيتها في كتابك ، فكيف أن أحكيها عنك ، فأستجيز الكذب البحت عليك ! حاشا الله من هذا . وليس هذا النص من دليل الخطاب ، إنما كان يمكن أن يتأول على من يقول بدليل الخطاب : لا نعم الإدام إلا الخل . وأما القطع بان لا إدام غيره ، فليست هذه القضية مقتضية هذه الاخرى ؛ فبالله ما أعرضت عن كل شرير يريد أن يسمع الناس سبهم على ألسنة [ 92 / أ ] غيرهم .

8 - ورأيت المدرجة ووقفت عليها . أسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن يستمع القرآن والقول فيتبع احسنه ، والجملة التي أوردت من قولي فيها فهو قولي أيضا . وكذلك وقفت على الفصول التي ذكرتني بها ، أحسن الله جزاءك على ذلك ، فهكذا تكون الناس .

9 - أولها قولك : انظر هل فرض الله تعالى النظر أم لا ( 2 ) فجوابي إنه لم يفترض قط في التوحيد وصحة النبوة وجميع الشرائع ، النظر ؛ بل إنما افترض في كل ذلك اتباع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقط . ولو فرضه الله تعالى فيها ، ما جاز قبولها

Bogga 190

من أحد حتى يقرر على الوجه الذي صح به عنده التوحيد والشريعة كلها . فتثبت يا أخي ها هنا ، فإن نظري ونظرك لا يحكمان على ميراث الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم ؛ وإنما افترض على الناس في الشرائع كلها شيئا واحدا وهو الائتمار لما جاء به الوحي من عند الله تعالى فقط . فهذا الوجه خاصة ، هو الذي افترض على الناس عقده ، والقول به ، والعمل . وأما طرق الاستدلال التي عني بها المتكلمون فما افترضها الله تعالى قط على أحد . وأقول قولة أقدم لك فيها مقدمة تصلح بعض ما يمكن أن ينكره منكر من قولي وهي : إني أريد [ أن ] أقول قولا يعيذني الله من أن أقوله مفتخرا أو ممتدحا ، لكن سياق الكلام والحجة أوجب أن أقوله وهو : إني ولله الحمد لست بمبخوس الحظ من هذا العلم ، اعني علم أهل الكلام وطريقهم في الاستدلال ( 1 ) فيظن ظان أني إنما قلت ما قلت عداوة لعلم جهلته ، لا ، ولكن الحق لا يجوز أن يتعدى . وأما قول الله تعالى { أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق من شيء } ( الأعراف : 185 ) وقوله { أو لم يتفكروا } وقوله { أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي ، أفلا يؤمنون } ( الأنبياء : 30 ) الآية ، [ 92 ب ] وسائر الآيات التي في معنى هذا ، فإنك يا أخي إن تدبرتها ، كفينا التعب ؛ وهي أنها كلها بلفظ الحض لا بلفظ الأمر ، وهذا قولي نفسه ، وأما الأمر بالاعتبار فليس من هذا الباب ، إنما هو الأمر بالاتعاظ بمن هلك ممن عصى الله تعالى فيخاف العاصي له عز وجل مثل ذلك فقط ، وليس شيء من هذا يوجب انه لا يصح لأحد اسم التوحيد وحكمه عند الله تعالى إلا بأن يكون اعتقاده إياه من طريق الاستدلال .

10 - وأما قولك : انظر الأدلة المحرمة للتقليد ( 2 ) فأنا أريد أن تتفقد وان تتدبر كلامي ، فإنك تجده صفرا من مدح التقليد ، ومملوءا من ذمه ؛ وليس في قولي إن من اتفق له معرفة الحق بمعنى اعتقاده من جهة التقليد فإنه من أهل الحق عند الله تعالى

Bogga 191

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.