4- نص الرسالة الثانية الرسالة الأخرى (1) التى انفذها (2) الينا بعد التى كتبناها (3)
أما بعد حمد الله والثناء على أولى مقاماته فى أرضه وسمائه ومسألة العون على الخير كله فانى جردت (4) لكما (5) يامن أنا عبدكما أدام الله لكما العز والتأييد والقدرة والتمكين، جملة من سفرى كان من بخارى إلى الصين (6) على خط الوتر (7) ورجوعى منها على الهند وهو سمت قوسه (8) وذكرت بعض
Bogga 29
أعاجيب ما دخلته من بلدانها وسلكته من قبائلها. ولم أستقص (1) المقالة حذرا من الإطالة ورأيت الآن تجريد رسالة شافية تجمع عامة ما شاهدته وتحيط بأكثر ما عاينته لينتفع به المعتبرون ويتدرب (2) به أولو (3) العزة والطمأنينة ويثقف به رأى من عجز عن سياحة الأرض فأبدأ بذكر المعادن الطبيعية والعجائب المعدنية إذ هى أعم نفعا فأتحرى فى ذلك الإيجاز والله ولى التوفيق وهو حسبى ونعم المعين.
ولما (4) شارفت الصنعة الشريفة والتجارة المربحة (5) من التصعيدات والتقطيرات (6) والحلول والتكليسات (7) خامر (8) قلبى شك فى الحجارة واشتبهت على (9) العقاقير فأوجب الرأى اتباع (10) الركازات والمنابع (11)
Bogga 30
فوصلت بالخبر والصفة إلى «الشيز» (1) وهى مدينة بين المراغة (2) وزنجان (3) وشهر زور (4).
Bogga 31
والدينور (1) بين جبال تجمع معادن الذهب ومعادن الزيبق ومعادن الأسرب (2) ومعادن الفضة ومعادن الزرنيخ الأصفر ومعادن للحجارة (3) المعروفة بالجمست (4) فأما ذهبها فهو ثلاثة أنواع نوع (5) يعرف بالقومسى (6)
Bogga 32
وهو (1) تراب يصب عليه الماء (2) فيسيل (3) ويبقى تبر (4) كالذر يجمع (5) بالزيبق وهو أحمر خلوقى (6) ثقيل (7) نقى (8) صبغ ممتنع على النار لين يمتد (9) ونوع آخر يقال له الشهرنى (10) يوجد قطعا من حبة (11) إلى عشرة مثاقيل (12) صبغ صلب رزين الا أن فيه يبسا قليلا. ونوع آخر يقال له السجابذى (13) أبيض رخو رزين أحمر المحك ينصبغ (14) بالزاج وزرنبخها مصفح (15)
Bogga 33
قليل الغبار يدخل فى التزايين (1) والتزاويق ومنه (2) خاصة يعمل (3) أهل اصفهان فصوصا ولا أحمر (4) فيها. وزيبقها (5) أجل من الخراسانى وأثقل وأنقى وقد اختبرناه فتقرر (6) من الثلثين واحد فى كيان (7) الفضة المعدنية ولم نجد من (8) ذلك فى المشرق (9). وأما فضتها فإنها تعز (10) لعز (11) الفحم عندهم.
وهذه المدينة يحيط (12) سورها ببحير (13) فى وسطها لا يدرك له
Bogga 34
(قرار) (1) وانى ارسيت فيه أربعة عشر ألف ذراع (2) وكسورا من ألف (3) فلم تستقر (4) المثقلة ولا اطمأنت واستدارته نحو جريب بالهاشمى (5) ومتى بل ماؤه بتراب (6) صار لوقته (7) حجرا صلدا وتخرج منه سبعة أنهار كل واحد منها ينزل على رحى (8) ثم يخرج تحت السور. وبها بيت نار (9)
Bogga 35
عظيم الشأن منه (1) تذكى نيران المجوس إلى المشرق والمغرب (2) وعلى رأس قبته هلال فضة (3) هو طلسمه (4) قد حاول قلعه خلق من الأمراء والمتغلبين (5) فلم يقدروا (6) على ذلك.
BSOAS, 4491, X 1, 4 )
Bogga 36
(وهذا القول أيضا من زيادات أبى دلف) (1).
ومن أعاجيب (2) هذا البيت أيضا (3) أن كانونه (4) يوقد (5) منذ (6) سبعمائه سنة فلا يوجد فيه رماد البتة (7) ولا ينقطع الوقود عنه ساعة من الزمان.
وهذه المدينة بناها هرمز بن خسرو شير بن بهرام (8) بحجر وكلس (9).
وعند هذا البيت ايوانات شاهقة وأبنية عظيمة هائلة ومتى قصد هذه المدينة عدو ونصب المنجنيق (10) على سورها فإن حجره يقع فى البحيرة التى ذكرناها
Bogga 37
فإن أخر (1) منجنيقه ولو ذراعا (2).
بالمثل (3) سقط الحجر خارج السور. والخبر فى بناء هذه المدينة أن هرمز ملك الفرس بلغه أن مولودا ولدا (4) مباركا يولد فى بيت (5) المقدس فى قرية يقال لها بيت لحم (6) وأن قربانه يكون ذهبا (7) وزيتا ولبانا فأنفذ بعض ثقاته بمال عظيم (8) وأمره أن يشترى من بيت المقدس ألف قنطار زيتا (9) وحمل معه لبانا كثيرا وأمره أن يمضى (10) إلى بيت المقدس ويسأل عن أمر (11) هذا المولود فإذا وقف عليه دفع الهدية إلى أمه وبشرها بما يكون لولدها من الشرف والذكر وفعل الخير ويسألها أن تدعو (12) له ولأهل مملكته ففعل الرجل ما أمر وصار إلى (13)
Bogga 38
مريم (1) فدفع إليها ما وجه به معه وعرفها بركة ولدها فلما أراد الانصراف عنها دفعت إليه جراب تراب وقالت (2) له عرف صاحبك أن سيكون لهذا (3) التراب بناء فأخذه وانصرف. فلما صار إلى موضع «الشيز» وهو إذ ذاك صحراء مات. وقد كان قبل موته حين أحس بذلك (4) دفن (5) الجراب هنالك (6). واتصل الخبر بالملك فتزعم الفرس أنه وجه رجلا معه (7) وقال له اقض (8) إلى المكان الذى مات فيه صاحبنا فابن على الجراب (9) بيت نار.
وقال ومن أين أعرف مكانه. قال امض فلن يخفى عليك. فلما وصل إلى الموضع تحير وبقى لا يدرى أى شىء يصنع. فلما أمسى (10) وأجنه (11) الليل نظر (12) إلى نور عظيم يرتفع (13) من مكان بالقرب منه (14) فعلم أنه
Bogga 39
الموضع الذى يريده. فصار (1) إليه وخط حول النور خطا وبات فلما أصبح أمر بالبناء على ذلك الخط فهو بيت النار الذى بالشيز (2).
وخرجت من هذه المدينة إلى مدينة أخرى على أربعة (3) فراسخ (4) تعرف «بالران» (5) فيها معدن ذهب (6) ثقيل أبيض فضى أحمر المحك إذا
Bogga 40
حمل على عشرته واحد من الفضة أحمر (1) ووجدت معدن الأسرب بها (2) واستعملت منه مرداسنجا (3) فخلص (4) لى من كل منا (5) دانق (6) ونصف فضة ولم أحد فيما سواه من معادن الرصاص (7) ووجدت بها (8) اليبروح (9) كثيرا عظيم الخلقة يكون الواحد منه عشرة أذرع وأكثر من ذلك. وفى هذه (10) المدينة نهر من شرب منه أمن من (11) الحصاة (12) وبها حشيشة تضحك (13) من تكون (14) معه حتى يخرج به الضحك إلى
Bogga 41
الرعونة وإن سقطت منه أو شىء منها (1) اعتراه حزن لذلك فبكى (2) وبها حجارة بيض غير شفافة تقيم (3) الرصاص ويقع بها من السحاب دويبه تنفع من داء الثعلب باللطوخ (4) وثعالبها (5) قرع الرؤوس بلا شعر البتة.
وسرت منها إلى وادى اسفندوية (6) فوجدت عليها حمامات كثيرة بورقية (7) تنفع من الرياح فى العصب فقط وبه حمة تصلح للحفاء (8). ووصلت منها إلى معدن زاج أحمر سورى ينبت فيه الذهب الأبيض فى الصيف فيحمر من داخل حقه.
وخرجت من هناك الى «الطرم» (9) فوجدت بها «ويزنجان» معادن للزاج شريفة تفوق المصرى والقبرسى والكرمانى ووجدت بها معادن بوارق
Bogga 42
وشبوب البياض والحمرة ووجدت بها حمة تصلح للجراحة العتيقة فأما الطرية فلا.
ووجدت بها عينا تنبع ماء يستحجر إذا ضربه الهواء تنفع من ديم (1) الأرحام سيالا ومن دبر (2) الحمير جامدا (3) ووجدت بها حجارة بيضاء تقوم مقام الباذ زهر (4)
ووصلت (5) إلى قلعة ملك الديلم المعروفة (6) «بسميران» (7) فرأيت (8) فى (9) ابنيتها وأعمال فيها (10) ما (11) لم أشاهده فى غيرها من مواطن الملوك وذاك أن فيها ألفين (12) وثمانمائة ونيفا وخمسين دارا كبار او صغارا
Bogga 43
وكان محمد بن مسافر (1) صاحبها إذا نظر إلى سلعة حسناء أو عمل محكم سأل عن صانعه فإذا أخبر بمكانه وموضعه (2) أنفد إليه من المال ما يرغب مثله فيه وضمن له أضعاف ذلك إذا صار إليه فإذا حصل عنده منع أن يخرج من القلعة بقية عمره. وكان يأخذ أولاد رعيته ويسلمهم فى (3) الصناعات وكان كثير الدخل قليل الخرج واسع المال ذا كنوز عظيمة فما زال على ذلك إلى أن (4) أضمر أولاده مخالفته رحمة منهم لمن عندهم من الناس الذين هم فى زى الأسارى فخرج يوما لبعض (5) متصيداته فلما عاد (6) غلقوا باب القلعة دونه وامتنعوا عليه فاعتصم منهم بقلعة أخرى فى بعض أعماله وأطلقوا من كان عنده من الصناع وكانوا (7) خمسة آلاف إنسان فكثر الدعاء لهم بذلك. وأدركت ابنه الأوسط (8) الخمية والأنفة أن ينسبه (9) أبوه إلى العقوق وأنه إنما رغب فى
Bogga 44
الأموال والذخائر والكنوز. فجمع جمعا عظيما من الديلم وخرج إلى أذربيجان فكان من أمره مالا يخفى على القاصى والدانى (1).
ثم إنى رجعت إلى أذربيجان فى الجبل (2) إلى «موقان» (3) فكان مسيرى ثمانين (4) فرسخا تحت الشجر على ساحل بحر (5) طبرستان العظيم (6) حتى أثبت موضعا يقال له «باكويه» (7) من أعمال «شروان» (8) فألفيت (9) به عينا للنفط (10) تبلغ قبالتها (11) كل يوم ألف درهم وإلى
Bogga 45
جانبها عينا (1) أخرى تسيل نفط (2) أبيض كدهن الزنبق (3) لا ينقطع ليلا ولا نهارا يبلغ ضمانه (4) مثل ذلك (5).
وسرت (6) من هناك (7) فى بلد (8) الأرمن حتى انتهيت إلى تفليس.
وهى مدينة لا اسلام (9) وراءها يجرى فيها (10) نهر يقال له «الكر» يصب إلى البحر وفيه (11) غروب (12) تطحن وعليها صور عظيم وبها حمامات شديدة الحرارة (13) لا توقد ولا يستقى لها ماء وعلتها عند أولى الفهم تغنى عن تكلف الابانة عنها (14) وأردت أن أمضى إلى مغار الطيس لا نظر إليه فلم يمكن ذلك لسبب قطع عنه وانكفيت إلى الغرض (15):
Bogga 46
ومنها (إلى) (1) أردبيل (2) فركبت جبال الويزور (3) وقبان (4) وخاجين (5) والربع (6) وحندان (7) والبذين (8) وبها معدن الشب المنسوب إليها وهو شب الحمرة المعروف (9) باليمانى ومنها يحمل (10) إلى اليمن
Bogga 47
وواسط (1) ولا ينصبغ الصوف بواسط الا به وهو أقوى من المصرى. وبها وبأردبيل وهذه الجبال التى تقدم ذكرها (2) حمامات تصلح للحرب فقط وبالبنذين (3) موضع يكون (4) تكسيره ثلاثة أجربة يقال أن فيه موقف رجل (5) لا يقوم فيه أحد يدعو الله إلا استجيب منه (6) وفيه تعقد أعلام المحمرة المعروفين بالخرمية (7) ومنه خرج بابك (8) وفيه يتوقعون المهدى وتحته نهر عظيم ان اغتسل فيه صاحب الحميات العتيقة قلعها عنه (9) وإلى (10) جانبه نهر الرس (11) وعليه (12) رمان عجيب لم أر فى بلد من البلدان (13) مثله وبها
Bogga 48